يبدو أن مسلسل ضرب المدرسة العمومية ما زال مستمرا، و ما زال إحباط المواطن المغربي بقرارات رجعية من قِبَل مسؤولين لا همَّ لهم في هذا الوطن سوى أكل الكعكة. فبعد أن تم إصدار المرسومين المشؤومين، الأول يقضي بفصل التوظيف عن التكوين بالنسبة للمراكز الجهوية للتربية و التكوين، والثاني ينص على تقليص أجرة الأستاذ المتدرب إلى أقل من النصف فتصبح مجرد منحة.. و بعد أن تم تطبيق خطة التقاعد رغم الرفض الشعبي.. ها هي وزارة التربية الوطنية تصدر قرارا جديدا يمكِّن الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين من توظيف أساتذة بموجب عقود.. وزير التربية الوطنية و بعد ضغط شعبي على إثر الاكتظاظ الذي شهدته المدارس العمومية خلال هذا الموسم، و بعد أوامر ملكية (كما أشير لذلك في عدة منابر إعلامية) لأجل تجاوز التعثر الذي عرفه الدخول المدرسي 2016 _2017، يتعاقد مع حاملي شهادات من الشارع و دون تكوين. نستغرب حقا من هذه القرارات الصبيانية التي ستزيد الطين بلَّة، بل و ستساهم و بشكل كبير في إغراق المدرسة العمومية. إن التعاقد مع حاملي شهادات لم يتلقوا تكوينا في مجال التربية لن يسهم في تخفيف الأقسام من الاكتظاظ أو يرفع من مستوى التعليم العمومي، بل و سيؤدي و بشكل كبير إلى تدهور هذا الميدان الذي لم يوجد له حل منذ الاستقلال. دائما ما نعود إلى تظاهرات الأساتذة المتدربين الذين ما فتئوا أن نبَّهوا كل مكونات المجتمع المغربي إلى ضرورة التحرك من أجل المدرسة العمومية، و أن التعليم العمومي في طريقه إلى الخوصصة سواء عبر دفع رسومات بالنسبة للتلاميذ أو إلى التعاقد مع معطلين من الشارع.. إلا أن صمت العديد و اكتفائهم بالمتابعة من بعيد أو تصديق خرجات وزير الداخلية بقوله "هادوك مدعومين من جماعات معينة، هادوك معروفين" هو ما جعل الشعب مفكَّكا و كل جهة اختارت طريقا لوحدها. مرسوم التعاقد بالتعليم لم يضرب في الوظيفة العمومية فقط بل جاء لإقصاء ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم في العمل، من خلال شرط تقديم شهادة طبية تؤكد السلامة الجسدية و العقلية لحامل الشهادة. إن هذا المرسوم ضرب في الدستور المغربي (2011) الذي خصص فصلا بكامله لهاته الفئة المهمَّشة و هو الفصل 34، كما أنه ضرب في مرسوم الرعاية الاجتماعية الذي خصص نسبة 7 في المئة من المناصب لذوي الاحتياجات. و بهذا فأول من يجب عليه الاحتجاج على مرسوم التعاقد هم الأسر المغربية، فلا يمكن أن يُكَلَّف حامل الإجازة في الاقتصاد بتدريس تلاميذ السنوات الأولى بالسلك الابتدائي .. أو نشهد تكليف أستاذ للتربية الإسلامية بمادة التربية البدنية كما وقع في إحدى المدن.. لا يمكن أن نضع مصير مجتمع بيد شباب لم يتلقوا تكوينا بيداغوجيا عاما. مرسوم التعاقد كان آخر الفتن التي تشعلها الدولة بعد فتنة طحن المواطن المغربي محسن فكري، و يبدو أن مصيرنا هو الآخر الطحن في ظل سيادة دولة لا ترضى بالمواطن.. نحن لا نريد أن يُدَرِّس أبناء هذا الوطن -العليل- أشخاص يجعلون من الوظيفة العمومية حلما من أجل الاستقرار المادي، و يكونون مثل العديد الذين بمجرد "ما قطعو لواد و نشفو رجليهم دارو ما بغاو".. فتعليم أبناء الشعب رسالة نبيلة.. لكن ليس كل شخص بنبيل.