ما كادت شوارع الرباط تفرغ من احتجاجات الطلبة الأطباء، ذوي الوزرة البيضاء، حتى ارتدت مرة أخرى بياضا من نوع آخر، إذ حج إليها آلاف الأساتذة المتدربين بمختلف مراكز مهن التربية والتكوين، والتي تتوزع ما بين المراكز الجهوية والفرعيات التابعة لها، في 41 مدينة مغربية. ووصل عدد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بالمغرب، صباح اليوم الخميس، 9000 من الأساتذة المتدربين، وفق تقدير المنظمين، مسانَدين بحاملي الشواهد العليا، وخريجي البرنامج الحكومي 10 آلاف إطار، ومجازين معطلين، مرددين شعارات ضد "ضرب المدرسة العمومية"، و"فصل التكوين عن التوظيف". المنسق الإعلامي بالمركز الجهوي بطنجة، أكد لهسبريس أن المحتجين لا يدافعون عن التوظيف، بل إن "الأمر يتعلق بنضال الشعب المغربي من أجل جودة المدرسة العمومية المنادى بها، والتي لن تتحقق على حساب رجال ونساء التعليم"، معتبرا أن "القطاع يعاني خصاصا مهولا في عدد الأساتذة، في ظل إقصاء ممنهج لعدد كبير من المتدربين من الوظيفة". ويرى سفيان اعزوزن أن "الوزارة تقوم بتطبيق إملاءات البنك الدولي، عبر تفويت المستشفيات والمدارس للخواص"، متابعا: "خضعنا لانتقاء أولي ومباراة كتابية وشفوية؛ كما أن أزيد من نصف المتدربين بالمراكز الجهوية حاصلون على دبلوم التأهيل لمهن التدريس، وآخرون كانوا إما مدرسين في القطاع الخاص أو يتابعون دراستهم في الماستر، إلا أنهم اصطدموا بواقع آخر، حين سارعت الوزارة للمصادقة على المرسومين في عز العطلة الصيفية". من جهته، قال مراد أومسري، منسق المركز الجهوي بمكناس، إن "المرسومين المتعلقين بفصل التكوين عن التوظيف، وتقليص المنحة من 2450 درهما إلى 1200، يضربان جودة التعليم ويحطان من كرامة الأستاذ"، مشيرا إلى أن "فصل التكوين عن التوظيف سيحيل إلى إلغاء أي تعاقد، كما أن تقزيم المنحة يضر بإمكانية البحث العلمي ومحاولة الأستاذ المتدرب البحث من أجل تطوير كفاءاته ومهاراته". وأكد اومسري الاستمرار في مقاطعة شاملة للدروس النظرية والتطبيقية، وشل الدراسة والتكوين على مستوى المراكز الجهوية والفرعية، والتي وصلت أسبوعها الثاني، إلى حين إسقاط المرسومين، داعيا النقابات والفعاليات المجتمع المدني والأسرة التعليمية إلى دعم مطالب الأساتذة المتدربين، والاعتناء بهذه القضية التي تهم أبناء الشعب المغربي وحقهم في مدرسة عمومية ذات جودة. الكرومي عبد الرحمان، المنسق المحلي بالمركز الجهوي بني ملال، أفاد هسبريس بأن شكلهم الاحتجاجي يأتي "تعبيرا عن رفضهم الهجوم المنظم من الحكومة على الوظيفة العمومية، وتنديدهم بالرغبة في تكوين أساتذة عاطلين من البداية"، داعيا الحكومة إلى تحمل "مسؤوليتها التاريخية"، ومؤكدا استمرارهم في الدفاع عن المدرسة العمومية، وحق أبناء الشعب في تعليم عمومي ووظيفة عمومية. الأستاذة المتدربة سكينة والي علمي، ترى أن كرامة الأستاذ انهارت وجودة التعليم المنادى بها لا تتماشى مع هذا الوضع، لافتة إلى أن "هذه الخطوة الوزارية ضرب في الصميم لجودة التعليم وإحباط للأستاذ"، مضيفة: "المنظومة تعتريها مشاكل منهجية واجتماعية واقتصادية، والأستاذ بدوره ضحية، ولا داعي للمزيد من إذلاله". من جهة أخرى، أعلن محي الدين حجاج، الكاتب الوطني لاتحاد شباب التعليم بالمغرب، تضامنه مع الأساتذة المتدربين "لعدالة مطالبهم"، معتبرا أن "تنزيل المرسومين لأول مرة في تاريخ المغرب، خاصة المرسوم المتعلق بفصل التكوين عن التوظيف، سيؤدي إلى تفريخ ظاهرة غريبة، تجعلنا ننتقل من ظاهرة المعطلين خريجي الجامعات، إلى ظاهرة الأساتذة المعطلين، وبالتالي خدمة القطاع الخاص في أفق خوصصة قطاع التعليم". وأوضح المتحدث أن "المغرب يعاني من خصاص 20 ألف أستاذ وأستاذة، زيادة على الأساتذة الذين يحالون على التقاعد كل سنة، متسائلا إن كان هذا العدد من الأساتذة المتدربين يكفي لسد الحاجيات، في ظل أقسام تعاني الاكتظاظ ومشاكل جمة أخرى".