ظل الخطاب الرسمي لسنوات بعد التناوب التوافقي يمني النفس والمغاربة بانتقال ديمقراطي واعي ومتراكم عناوينه العدالة الانتقالية، العهد الجديد للسلطة، الحكامة الجيدة والنموذج الحداثي المغربي، ثم عرج مع الدستور الجديد على مفاهيم متقدمة حسن بها تعاقده مع المغاربة: ربط المسؤولية بالمحاسبة، الديمقراطية التشاركية، تعيين الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات.. نقاش نازلة المادة 30 يجب أن يكون سياسيا وفي إطار الدستور وإلا أفرغ من محتواه الحقيقي، الدستورلأنه التعاقد الأسمى الذي يجمع المغاربة سياسيا ولأن احترام مقتضياته يصب في منحى البناء الديمقراطي الضامن كإطار للتنمية التي تصبو إليها بلادنا، بالمقابل فإن خرقه يبعث الشك في جدية باقي السيرورة، سيرورة بناء الانتقال الديمقراطي وبعلاقة هذه المرة بالعالم القروي. ينص دستور فاتح يوليوز على أن الحكومة تمارس السلطة التنفيذية و الإدارة رهن إشارتها وتعمل تحت إمرتها (الفصل 89) تحت إشراف رئيس الحكومة الذي هو رئيس السلطة التنظيمية التي يمكن أن يفوضها لأحد وزراءه (الفصل 90)، إضافة إلى المبدأ الذي دبج به الدستور الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة فإن رئيس الحكومة مؤسسة بذاتها قائمة بالسلطة التنفيذية ومسؤولة أمام الشعب عن تنزيل السياسات العمومية. لا يعقل إذن أن يتصرف وزير في تدبير ملف متعدد المتدخلين من الوزارات والمصالح الخارجية وذو ميزانية ضخمة ك55 مليار درهم خارج سلطة رئيسه، يكون بذلك هذا الوزير في رتبة رئيس الحكومة، على الأقل عمليا. المادة 20 من قانون المالية ينطبق عليه الأمر نسبيا (الرهان ليس كبيرا كما في الثلاثين)، الأمر إذن متعلق بنموذج في الحكامة طابعه التحكم في العالم القروي وسد الطريق عن أي نموذج جديد أن يلج إلى البادية المغربية، يراد أن يدار الصندوق بخلفية تقنوقراطية ويقزم النقاش في اختصاص الوزارة و الكفاءة التقنية. إن رئيس الحكومة كان حريا به الدفاع عن سلطته التي خولها له الدستور وهو بذلك لا يتنازع "غنائم" بقدر ما يدافع عن التعاقد الأسمى، لكنه آثر تنزيل الدستور الغير المكتوب القاضي بحفظ المجال التاريخي "للفلاح الذي يحمي العرش"، أما حكاية الحفاظ على الإئتلاف الحكومي إلى نهاية الولاية فتفصيل تابع للأصل. لا شك أن الإنتقال الديمقراطي بما يعنيه من تغيير جذري في نمط التدبير والعلاقة الحالية بين السلطة-الحكومة والمواطن ومجاله في ما يخص العالم القروي تسير بسرعة أبطأ من وتيرة المدينة لعوامل مرتبطة بالثقافة أساسا بما فيها ثقافة السلطة التي ترى فيه امتدادا لنفوذها الشبه مطلق ولأحزابها وخزانا احتياطيا يصلح عند الحاجة لأغراض التوازن و بالتالي فلا مصلحة لها في بروز أي قوى تحديثية في هذا المجال. المشروع المهيكل والذي جاء في خطاب ملكي توجيها للحكومة يمكن أم يساهم وبشكل قوي في إنعاش التنمية وخلق دينامية جديدة بالعالم القروي، لكن عقدة المنشار كانت دائما في نمط التدبير المتسم بالسلطوية، الفساد والزبونية وضعف ثقافة المحاسبة والمكاشفة وما ينقصه هو الإرادة الصادقة للقطع مع هذا الأسلوب واستنبات حكامة جديدة أساسها الإستحقاق، النزاهة والمحاسبة. لا يمكن لهذه المعايير أن تحترم خارج التعاقد بين السياسي والمواطن ولا معنى لوجود تعاقد خارج إطار سياسي يلج من خلاله المواطن بشكل غير مباشر إلى توجيه السياسة العامة، يحاسب فيها السياسي وحزبه عن النتائج أما التقنوقراطي (وزير الفلاحة والعمال والولاة) الذي يراد لهذا الملف الكبير أن يوضع في يده فلا يعير هذا التعاقد كبير اهتمام لأنه وباختصار مسؤول "إداريا" لا سياسيا وأمام جهات ليست في الأخير هي المواطن.