لا يمكن الحديث عن حصيلة المائة يوم الأولى من تنصيب حكومة العتمة؛ بمعزل عن الملابسات المرتبطة بهذا التنصيب نفسه، ولا يمكن تقييم إنجازاتها خلال الفترة ذاتها دون العودة بعقارب الساعة إلى الوراء، وإلى نقطة البداية؛ بداية الانتكاسة الديمقراطية. كما أن الحصيلة الأولية للحكومة لا يمكن تقييمها بمعيار الأرقام، وإنما تقاس بمدى احترام العلاقة التي تربط هذه الحكومة بالشعب؛ باعتباره مصدرا محددا لشرعيتها. يعتبر عالم الاجتماع ماكس فيبر أن أي حكم أو نظام بدون شرعية يصعب عليه أن يملك القدرة الضرورية على إدارة الصراع بالدرجة اللازمة بشكل مستقر لفترة طويلة. وتبعا لذلك ستظل العلاقة بين حكومتنا والشعب قلقة ومتوترة ومهددة، وستبقى كذلك إلى أن يقتنع الشعب بجدارة هذه الحكومة وأحقيتها في الحكم والتدبير، ولا يهم إن كانت هذه الحكومة محاطة بالتنصيب البرلماني، ومسيجة بالمساطر القانونية. إن الملابسات المحيطة بتنصيب الحكومة أفرغتها من الشرعية؛ على الرغم من إجراء انتخابات وإقامة برلمان وإصدار قوانين وتشريعات. إن الأمر هنا لا يعدو أن يكون إجراءات شكلية وصورية، ولأن خداع الشعب بالقانون لا يكلف إلا ورقة عليها توقيع المغتصبين والمتآمرين. الشرعية إذن، لا تتحقق إلا عندما يتحقق شرط الرضا، وينتفي شرط التآمر والاغتصاب. فإذا كانت قواعد اللعبة الديمقراطية قد تم احترامها من الناحية الشكلية؛ فإن الوضع ذاته لم يمنع فرص اللعب من أن تكون غير متساوية وأن يشوبها القصور والزيف؛ لأن تشكيل الأغلبية الحكومية ببساطة لم يحترم نتائج الناخبين وتوجهاتهم، وأن الكتلة الناخبة أصبح لديها إحساس بعدم التمثيلية وإحساس بالتهميش، وأنها غير ذات جدوى في المساهمة في بناء الوطن وتطوره. ومن ثم فإن العلاقة بين الحكومة والشعب لم تتأسس على الثقة والصدق والانسجام والوطنية، وإنما بنيت على خلق أسباب الإحساس بالغربة والعزلة إزاء هذه الحكومة. ولعل النتيجة المنتظرة من هذه الفجوة هي سيادة الإحباط لدى المواطن والعزوف عن السياسة، بل الشعور بأن التجربة الديمقراطية الجنينية آيلة للأفول وفي الطريق إلى الزوال. إن الظروف المحيطة بتشكيل الحكومة، أشبه ما تكون بثلة من أصدقاء الحي، جاءتهم فجأة دعوة للعب مباراة في الكرة، فالتأموا على عجل، حيث اكتفوا بالمتاح من البدل والنعال. لا تدريب، لا لياقة، لا خطة، لا انسجام، لا دراية بالخصم ولا بأرضية الملعب… فماذا ينتظر هذه المجموعة غير الانهزام بدون إقناع الجماهير، والتعرض للإنهاك حتى قبل إتمام المباراة، بل والتعرض للسخرية والتشنيع. وهكذا فإن الحديث عن الحصيلة؛ يقتضي أن تبرهن هذه الحكومة بالدليل الملموس، عن مدى احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطن، والسيادة الشعب، وهدم الفوارق الاجتماعية، ومحاربة الريع والفساد، وأسباب الثراء غير المشروع. كما يقتضي التفاوض مع أولئك الذين يمسكون بزمام الموارد الاقتصادية بدون وجه حق ويحتكرونها لأنفسهم ولذويهم، وأن تفك شفرة شبكات علاقات القرابة والصداقة والمصالح المشتركة. فهل تستطيع الحكومة تبعا لكل هذا وذاك، أن تعيد للشعب الإحساس بالانتماء للوطن؟