إن جمعيات المجتمع المدني ملزمة دستوريا و إنسانيا بالقيام بدور مهم و فعال في الحياة العامة من خلال توعية و تكوين و تحسيس أفراد المجتمع بحقوقهم و إلتزاماتهم أولا و الدفاع عن حرياتهم العامة ثانيا و مساعدتهم ومد العون لهم، ويقتضي ذلك أن يتحلى أفراد هذه الهيآت بالنزاهة و الشفافية و نبل الأخلاق لكي يكونوا قدوة حسنة للمواطنين. فتخليق الحياة العامة تتمحور حول مختلف الجهود الفكرية والمادية والتنظيمية التي تبدلها الدولة أو هيئات المجتمع المدني من أجل مناهضة الفساد بجميع مظاهره، وجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار والسعي وراء ترسيخ الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص في كل الأفعال العامة والخاصة والتوعية بمحبة العمل والإخلاص فيه، وكذا محبة المجتمع والتضحية من أجله، ومحبة الدولة ورعايتها والعمل على نصحها وتطويرها وحمايتها، من كل الانزلاقات الداخلية والخارجية. وذلك ما كرسه الدستور الجديد في فصله 38 الذي نص على أنه يساهم كل المواطنين والمواطنات في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية تجاه أي عدوان أو تهديد، وقد اكد الدستور في فصله 40 أيضا على واجب التضامن في التكاليف التنموية التي تتطلبها تنمية البلاد وكذا الأعباء الناجمة عن الكوارث والآفات التي تصيب البلاد، وقد نص المشرع الدستوري في الفصل 37 على وجوب احترام الدستور والقانون وممارسة الحقوق والحريات بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة. فتخليق الحياة العامة هو تكريس جميع هذه المبادئ في الحياة العامة وتوعية المواطنين بها، وتربيتهم على احترامها. ويلعب المجتمع المدني دورا هاما في تخليق الحياة العامة، وقد تقوى هذا الدور خصوصا بعد صدور الدستور الجديد الذي أكد على ضرورة مساهمة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، والحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، والحق كذلك في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية. ويتبين من خلال منطوق الفصول الدستورية التي لها علاقة جميعها بالمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، أن هذه الأخيرة لها دور محوري في المشاركة في التخطيط، فما المقصود بالتخطيط؟ فالتخطيط هو وضع أهداف محددة في إطار برنامج مستقبلي عملي، وسياسة استشرافية للمستقبل وبالتأكيد أن للمجتمعات علاقة وطيدة ومباشرة بالتخطيط وإعمال سياسات استشرافية للمستقبل، وذلك راجع إلى مساهمتهما الفعالة في جميع المجالات، وخاصة مجالات التنمية والبيئة وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد ... إلخ. وبالتالي فإن إشراك الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إعداد البرامج والمساهمة في تفعيل السياسات وتقييمها إلى جانب المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، دورا هاما وأساسيا، وقد بدأ تفعيل هذه المقتضيات الدستورية، بإشراك بعض الجمعيات في الهيئة الوطنية لإصلاح منظومة العدالة ومن ثم إشراكها في التخطيط لمستقبل القضاء في المغرب. وكذا إشراك بعض الجمعيات في مخطط المغرب الأخضر وذلك من خلال اشتراكها كملاحظ بشأن السبل المثلى للنهوض بالقطاع الفلاحي. لكن تفعيل هذه المشاركة تبقى غير واضحة وغير محددة المعالم وتبقى مرهونة بصدور قانون تنظيمي الذي يجب أن يُجيب على مجموعة من الإشكاليات مثل كيفية مشاركة الجمعيات في إعداد القوانين والتشريعات عن طريق تقديم اقتراحات وعرائض، فما المقصود بالعرائض وما هي الجهة التي ستكلف بالتواصل والتنسيق مع هيئات المجتمع المدني بهذا الخصوص ؟ كما يتبين أن الدستور الجديد نص على بعض الأدوار غير المباشرة في مجموعة من فصوله كالفصل 26 الذي ينص على تدعيم الدولة لتنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة، وهذه مجالات اشتغال العديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وهذا تجسيد للديمقراطية التشاركية الذي ينص عليها الدستور في العديد من النصوص. وهو نفس التوجه الذي أكد عليه الفصل 33 حيث نص على ضرورة اتخاذ السلطات العمومية تدابير توسيع مشاركة الشباب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وكذلك مساعدتهم على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وهذا كذلك تدعيم وتشجيع للجمعيات والمنظمات غير الحكومية. كما أن الفصل 34 نص على قيام الدولة بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، لمعالجة أوضاعهم الهشة، وإعادة تأهيلهم ، وهذه الأنشطة تبقى من بين اختصاصات المجتمع المدني الذي راكم تجربة واسعة في هذه الميادين، فالعمل الخيري والتطوعي هو من السمات البارزة. إن الهدف الذي يؤسس له الدستور الجديد يتجاوز منطق الإنصات والحوار إلى الإشراك الفعلي للجمعيات والمنظمات غير الحكومية في عملية إعداد واتخاذ القرار العمومي، بالأخذ بعين الاعتبار الحلول المقترحة من طرفها، وكذلك تنفيذه وتقييمه. وذلك ما يمنح لجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية صلاحيات وإمكانيات وآليات للتأثير في القرارات السياسية. لكن ما تحدثت عنه وزارة العلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني مؤخرا حول عدم وجود معطيات دقيقة عن نفقات الجمعيات للتمويل العمومي و كذلك حول طبيعة التمويلات الأجنبية ومصدرها يدعو للقلق و يوحي بوجود فساد كبير و انزياح اخلاقي في عمل العديد من الجمعيات . باحث في القانون الدستوري