شكلت الحملة الإنتخابية لفيدرالية اليسار الديمقراطي ، إحدى العناوين الكبرى التي طبعت الإنتخابات التشريعية الأخيرة ،سواء على مستوى الإهتمام الإعلامي أو من خلال حجم التعاطف عبر المسبوق الذي لاقته اللائحة الوطنية الفيدرالية ،ممثلة بالسيدة نبيلة منيب ، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد ،من طرف رموز النخبة الفكرية والأكاديمية و الثقافية والفنية ،ببلادنا،أو على مستوى الحضور القوي داخل وسائط التواصل الاجتماعي . المؤكد اليوم ،أن كل هذا "العنفوان"لم يجد له طريقا إلى صناديق الإقتراع ،ليترجم كأصوات انتخابية تكفي لتشكيل فريق برلماني ،أو مجموعة نيابية على الأقل ،أو لمجرد تمثيل اللائحة الوطنية للنساء والشباب. لكن هذا لا يمنع من القول بأن هذه الهزيمة الانتخابية القاسية ،تحمل رسالة أمل ،لابد من إلتقاطها ،والعمل على تحويلها إلى مشروع سياسي طموح . ذلك ان قراءة نتائج اللائحة الوطنية للفيدرالية على مستوى المدن ،توضح بشكل -مفارق- أن الأمر يتعلق بقوة سياسية حضرية وازنة ، فإذا كانت الفيدرالية لم تستطع أن تحصل الا على مقعدين ،في دائرتين لهما دلالة رمزية و سوسيولوجية خاصة(الرباط المحيط/البيضاء أنفا )،فإنها استطاعت في المقابل أن تحصل ،خاصة في خانة اللائحة الوطنية ،على أرقام جد مشجعة ،جعلتها على مستوى الترتيب تأتي في الغالب بعد المتنافسين "الكبار"، وخاصة قطبي العدالة والتنمية ،والأصالة والمعاصرة ، كما أنها استطاعت في غالبية المدن الكبرى ان تحصل على عدد من الأصوات يفوق بكثير مثلا أصوات "الاتحاد الإشتراكي "،كما هو الحال في : دائرتي الرباط، دائرتي سلا،خمسة من دوائر البيضاء،فاس الجنوبية ،أكادير ،وجدة ،مكناس،تمارة... دلالات هذه الأرقام، تؤكد أن الفيدرالية ،لم ترفض من طرف ناخبي المدن ،و أنها على الأرجح استفادت من حالة تصويت سياسي واضح ،لا علاقة له في الغالب بالتفاعل مع لوائح محلية (غير مقنعة انتخابيا على العموم) ،ولا بخوض حملات محلية ناجعة. وهو ما يعني ان الاستقبال النخبوي الذي استفادت منه الفيدرالية ،والذي أعاد نوعا من الألق لفكرة الالتزام السياسي للمثقفين المغاربة، يوازيه في المقابل-مع تفاوت طبيعي - إستعداد واضح للمزاج الإنتخابي المديني ،للتفاعل الإيجابي مع هذا الصوت اليساري . تفسير ذلك ،يرتبط بالأساس بحالة الفراغ الفضيع الذي يعرفه المشهد الحزبي المغربي ،خارج المشروع السياسي للعدالة والتنمية ،والذي لا ينافس سوى نفسه ،داخل فئات الناخبين المنتمين للطبقات الوسطى . لذلك فهذا الالتفاف النسبي، دليل طلب واضح على صوت سياسي،مستقل عن الإدارة ، يحمل فكرة البديل ،و يملك قدرا من المصداقية .صوت يستطيع إعادة تملك شعار الحداثة خارج الاستعمالات السلطوية الفجة . إن "7 أكتوبر" ،هي كذلك زلزال عنيف للخريطة الحزبية الوطنية ،و هي ايذان بدورة حياة جديدة للحزبية المغربية. ولذلك فهي فرصة لاستخلاص الدرس ،ولاعادة فتح النقاش حول مستقبل اليسار ،الذي ومنذ بداية الستينيات، لم يحدث ان وجد نفسه ، في أي محطة انتخابية ،و هو على هامش المعادلة السياسية المغربية ،كما هو عليه اليوم . ذلك أنه يبقى عنصرا رئيسيا للتوازن ،في مشهد حزبي يعرف من جهة هيمنة واضحة لحزب العدالة والتنمية ،ومن جهة أخرى يعرف ضعفا باهتا لأحزاب اليمين الليبرالي على مستوى الاستقلالية والمشروع السياسي . وهو ما يجعل من الحاجة إلى اليسار ،مضاعفة ،من جهة للدفاع عن الديمقراطية والمواطنة و حقوق الإنسان ،ومن جهة أخرى للدفاع عن العدالة الاجتماعية و تكافؤ الفرص . ولعل أهم تحول ،يستطيع اليسار "الجديد" استثماره ،يتعلق بالمتغيرات الكبرى للظاهرة الانتخابية، و التي تتميز أساسا بعودة واثقة للسياسة ،وبتحرر نسبي واضح في القدرة على التعبير الحر على السيادة الشعبية ،و يتراجع ثالوث "المال،الإدارة ،البادية "، كبنية محددة للسلوك الإنتخابي . ذلك أن لوائح الفيدرالية ،استطاعت مثلا بكل سهولة ،في عدد كبير من الدوائر ، تجاوز لوائح أحزاب وطنية و ديمقراطية ،لجأت إلى خدمات أعيان الإنتخابات. في النهاية ،فإن هذه اللحظة الإنتخابية، يمكن استثمارها، لصياغة مشروع سياسي جديد ،أكثر تعبيرا عن التيار الاشتراكي الديمقراطي الموجود داخل المجتمع والذي لم يعد يستطيع التماهي مع أي من التنظيمات الموجودة. مشروع لا يعتبر الوحدة ،مسألة إنصهار ميكانيكي للتنظيمات،ولكن تفاعلا حيا مع طلب مجتمعي معلن. مشروع لا يحمل أي عقدة من الجمع بين المبدئية السياسية والشرط الأخلاقي و النجاعة الانتخابية . مشروع يعيد التفكير في التموقع الأيديولوجي،في أفق الانتقال من يسار اليسار ومن حالة اليسار نصف الإصلاحي /نصف الاحتجاجي ،إلى مساحة فارغة اليوم وهي اليسار الإصلاحي بالمرجعية الاشتراكية الديمقراطية العصرية . مشروع يعيد تعريف نفسه كقوة ديمقراطية و منفتحة بالأساس وليس كهوية أيديولوجية مغلقة . مشروع،ينطلق حركية فيدرالية اليسار الديمقراطي ،ومن التفاعل الذي خلفته محطة 7أكتوبر، وينفتح على مناضلي البديل الديمقراطي ،واتحاديو الشتات، و الطاقات الشابة التي تحمل روح دينامية 20 فبرابر، و فعاليات المجتمع المدني ، ويعمل على خلق ديناميات للحوار على مستوى الجهات ،تتوج بخلق قوة سياسية جديدة .