المكان؛ مدينة صغيرة سياحية في قلب الأطلس المتوسط. الزمان؛ ذات يوم من موسم جني إحدى الفواكه. لم يكن اليوم عاديا؛ حيث امتزجت بساطة العادات والتقاليد بتعقيدات الانتهاز السياسي والصرامة الإدارية. في وسط المدينة انتصبت منصة التتويج. المكان برمته مطوق؛ كأننا أمام مشهد إعادة تمثيل جريمة ما، أو إزاء محاولة إبطال عبوة ناسفة قد تنفجر في أي لحظة. رجال بثياب متشابهة وبأجساد جامدة كأن الطير على رؤوسها، وحشود بأعناق مشرئبة وقلوب متلهفة. إن الأمر، اختصارا، يتعلق بمراسيم الاحتفاء بملكة جمال الفاكهة. مدينتنا هاته؛ مدينة الحياء والطيبوبة والابتسامة؛ سمات تغلب على ساكنة المنطقة والعفة والأنفة أيضا. فهم يشبهون خلايا النمل والنحل، تجد الكل قد شمر عن ساعديه؛ الكهول والشباب والنساء؛ كلهم يثابرون من أجل لقمة عيش حلال ومن عرق الجبين. تكاد لا تجد متسولا أو متشردا أو نشالا في المدينة التي تزدهر فيها السياحية الداخلية بشكل ملفت؛ نظرا لتوفرها على مؤهلات طبيعية متنوعة وثروة مائية هائلة. تكاد المدينة أن تكون فاضلة؛ كما كان يحلم أفلاطون، الذي تمنى أن يحكمها الفلاسفة لحكمتهم، ليجعلوا كل شيء فيها معياريا ومثاليا. غير أن يد السياسي وسطوة الإداري، في مدينتنا لم تواكبا جود الطبيعة وأخلاق الإنسان؛ أزقة في حالة مزرية، عشوائية في استغلال الثروة المائية، انتهاك صريح للبيئة، أسواق تجارية متهالكة، وحدائق عمومية قاحلة. وفي إحدى روابي المدينة تقبع بناية يقال عنها مركزا ثقافيا، بناية خاوية على عروشها، ومحاطة بركام من الأزبال والمتلاشيات، لا دار شباب، لا جمعيات، لا أنشطة ترفيهية ولا تثقيفية، حتى الأكشاك لا تجازف في بيع الصحف والمجلات. ومن يتحرى الجرائد في المقاهي حتى الصفراء منها؛ لا يجد إلا قطعا للف الفول السوداني وحبوب اليقطين. المدينة تخاف أن ترى نفسها في المرآة؛ لأن ملامح الخراب تشوه جسدها، وتخجل أن تكشف وجهها للعيان؛ لأن معالم القبح تعتري تقاسيم جمالها. أما السياسي، المنخرط في حزب التسويف وتسويق الأحلام، فيتوارى خلف الأقنعة ومن وراء الحجب؛ لا يصحو من سباته العميق إلا موعد الاقتراع لتوزيع الغنائم والطرائد. فهذا ديدن أحزابنا؛ فتاريخها طاعن في الخدع والمناورات، وتاريخها قد هرم في صناعة الخيبات والإخفاقات، وتاريخها أيضا يشهد على هشاشتها المزمنة. هكذا تختزل مدينتنا كل شيء عن كل المدن، وهكذا تجاوز العبث السياسي والإداري عتبة التدبير والتسيير إلى تفويض اغتيال الذوق والإدراك؛ فحينما تختار اللجنة ملكة الفاكهة من خارج أسوار المدينة المعنية، وحينما تختلف الآراء عنوة حول الشيء الواحد، والشخص بذاته، والقضية بعينها؛ فاعلم أن كل الحقائق قد ضاعت بالتفويض، وأن كل المصالح قد أتلفت بالتقويض.