هي سيدة تمقت الاستكانة في المواقف إلى الصمت والتخاذل والهوان ... هي سيدة ترفض الاحتماء بأفياء اللغة الجوفاء، وتتلمض حرقة الجمر ونار الاختيار ... هي سيدة سليلة المقاومة والمعارك القومية الكبرى، لكأنها امتداد لا ينتهي للملاحم الخالدة... شخوص متون إبداعاتها يئنون ( بالصوت والصورة ) لجسارة اختيارها... هي لا تساوم، لا تصالح ولا تتوسل بمساحيق التجميل التعبيرية، للإفصاح علنا / جهرا عن غضبها وقرارها في الخطو، نحو أعتاب غدها المأمول. هي لا تبحث عن اللون الرمادي والمناطق الوسطى ... هي كالعاصفة حينما يتعلق الأمر بالإنتماء والهوية ... الماضي لم يمض في ذاكرتها، وفي عميق وجدانها، إنه لا يزال في المهد. دليلها حجم الخيبات والانكسارات والهزائم من ماء طنجة إلى ماء اليمامة. هي لا تفاضل بين الأصالة والحداثة، بين التراث والاستلاب، بين مدح الربيع وشتم محترفي السياسة... فالوطن ليس بضاعة معروضة في دكان ولا يحتاج منها إلى إعلان عمومي في التقوى والايمان... الوطن حومة نضال، وسيرة من الندوب والكمد، من الفرح والأحلام... لذلك حينما كانت للا خناثة تختط بمدادها الأصيل الصفات التقريبية لملامحه والبوح بحبها الوثني لتجلياته، لم تكن تعبأ بمفردات لسان العرب، ونحو سيبويه، وصرف ابن جني وبلاغة الجرجاني، بل كانت تمجد مواكب الانتفاضة ضد القهر والاستبداد، لأنها مفتونة بسؤال الوجود وكينونة الانسان وعدالة السماء. أضمومة حكاياتها فتحت لها باب العالمية بكل إصرار، لأنها فقط تشذو، بحياة أجدادها المنافحين عن أعطاب جسد الأمة، في القدس وبغداد وقبلهما في الأندلس... لابأس، لقد وجدت المدخل الرسمي إلى مغامرة الكتابة زمن النكسة، وتجاوزت الموقف السياسي، وتمرين معاناة الذات، وصولا إلى لذة الابداع بنفحة الثائرين/ الثائرات. تمضي فوق رصيف الحروف وفي جعبتها زاد وفير من القراءات العميقة، التهمت مجلدات القدامى في الشعر والتاريخ والتراجم والسير...، واقتفت أثر الفلاسفة العظام، وجابت برفقتهم الرحاب الشاسعة في السؤال عن ماهية الانسان... إنها امرأة تعتلي خشبة الأدب العربي المعاصر بكل عنفوان، وتؤدي الأدوار الطلائعية مناصفة بين الحياة الحقيقية وحياة الابداع... ليسقط الصمت في ضيافة الرائعة الأديبة والمناضلة خناثة بنونة.