هم مشاريع مبدعين وأدباء في بداية الطريق، لا يعرفهم الكثيرون، يحملون بين ضلوعهم همّ المتعبة والممتعة، زادهم في الرحلة قلم وورقة أو لوحة مفاتيح وشاشة والكثير من الأحداث والتفاصيل المخزنة في الذاكرة يترجمونها إلى كلمات. حاورها : عتمان واسو من هي سعيدة مليح ؟ اسمي من السعادة اقتبس مفهومه اللغوي، إن كتبته حروفا أضعت معناه الحقيقي، وإن تلوته كلاما ضعت أنا، هو بصمت "سعيدة مليح"، بشغفي الكبير لمجال الصحافة درست القانون العام لتكون لي خلفية سياسية وبعشقي للأدب وجدت نفسي في خضم الورق والأقلام أرسم بالمجاز واقعا آخر، أنا الطفلة العابثة لقسوة الواقع، والشابة المغربية العربية الثائرة كوني مجرد رقم مكتوب على بطاقة وطنية، أنا العشرينية الحاملة لهموم مضت أثقل مني، أنا الباحثة عن هوية في أرض الكون. ماهي العلاقة التي تربطك بالكتابة ؟ الحرف شعب يسكن داخلي، اتخذ مني وطنا شعاره عمق الكلمة، الحرف يترجل أضلعي، يكتبني انسكابا لمشاعر تحيى على نبيذ أعمار خلت، الكتابة إكسير لحياتي، وعنفوان وجودي على هذه الأرض، دائما أشعر وكأن بداخلي شعب حقيقي منتفض، لسانه الوحيد أناملي المكرسة للكتابة، يبعث بحروفه عبر شرياني فتنسكب إلهاما على الورق سواء تعلق الأمر بالواقعي منه أو الإلكتروني، المهم أن الكتابة تسكنني، وكما أقول دوما "بالكتابة أهرب من نفسي وبها أعرف نفسي". منذ متى اكتشفت أن لوثة تسويد بياض الأوراق تسكنك؟ وأنا طفلة كنت شديدة الشغب بحيث كانت الحركة لا تكفي للتعبير عن وجودي، فأول ما لجئت إليه هو الرسم، عبرت من خلاله كثيرا فكنت أتيه به عن العالم الحقيقي وأجد فيه ما أحب، لكن بنضج وعيي قليلا وجدتني في عالم أكثر اتساعا وهو الكتابة، بالرغم من أنني الآن أضحك حين أقرأ أرشيفي الصغير آنذاك إلا أنه كان يعني الكثير بالنسبة لي حينها، خاصة بعد أن فاضت أحزاني بوفاة والدي وأنا في الثاني إعدادي وجدت أنه قد ضاقت علي قلوب البشر ولم أجد حينها إلا بياض الورق متسعا للبكاء، ربما كانت تلك المشاعر المختلطة جواز دخولي لعالم الكتابة. ما هي طقوس وتوقيت الكتابة لديك ؟ ليست لي طقوس معينة صراحة، فأنا أكتب كلما عزمت الأمر، قد أجدني أكتب وأنا في انتظار شخص أو في رحلة حافلة صغيرة أو في حضور محاضرة ما، وغالبا ما أجعل لغة الكتابة تخضع لطقوسي العفوية كي لا أقع في بوادر طقوسها المنظمة، لأن طبيعة عقلي فوضوية دائما تسكنني الأفكار، أحيانا أستيقظ ليلا لأكتب نهاية قصيدة كنت قد بدأتها قبل أسبوع، أو لأقيد فكرة من الضياع، لكن لو خيرت في الوقت لأطلت من ساعات الليل لأن الإلهام يصاحبني فيه أكثر، وفي هدوئه تخرج الحروف الراقصة داخلي بانتظام. هل الالهام يأتي إليك، أم أنك تضربين معه موعدا في مكان أو أمكنة ما ترحلين إليها للقاءه؟ لي مع الإلهام قصة مشاكسة وعناد، فما أكثر الأوقات التي يغيب فيها وبداخلي حمم قصيدة قيد الولادة، وما أكثر الأوقات التي يأتيني فيها راكضا وراكعا وعقلي مشتت بأشياء أخرى، لكن في النظرة الإيجابية للمعنى فإن لي معه علاقة حب تتولد وتحيى مع كل محاولة في غرف لغة الحرف. كتاباتك خيال واقعي، أم ترجمة منك للواقع أم هما معا ؟ ما بين الواقع والخيال أتيه فتتولد أحرفي، فتارة تغرف مشاعرها من قلب سماء مفعمة بالنجوم والأمل، وتارة أخرى تجدها مترجلة لواقع معيشي يحسب علينا بلفظة الحياة،كتاباتي أصنفها في إطار الثورة على ما يستبد بمناهل العروبة والأوطان، فالحروف بين أناملي تارة ورود وتارة أخرى أحجار مقاومة وقنابل رصاص، إن كرستها دوما للواقع ستفقد رونقها وإن أبعدتها عن الخيال ستجهل واقعها. أكيد أن همّ الكتابة ثقيل، فكيف تواجهين السؤال اليومي الذي يتردد صداه في ذهنك الذي يقول ماذا سأكتب هذه المرة بالطبع فالكتابة في ميزان أيامي أثقل من عمري، لكنها هم لذيذ من خلالها أستطعم رائحة الوجود بشكل مختلف، لحد هذه الساعة لم أحتر يوما ماذا سأكتب، لأنني ابنة جيل ضاق طعم المرارة باكرا، والألم إكسير الكتابة، ومحفزها الأقوى، ما إن ألتفت يمينا أو شمالا حتى أجد بوادر نص أو قصيدة جديدة، فالعالم اليوم مكتظ بمجاري أحداث تستحق الكتابة، وما أن يهدأ قليلا حتى تثور نفسي كثيرا، ما بين الكتابة عن الواقع وإحياء بوادر الذات يتيه نبض قلمي ولا يجد راحة ما هو الصنف الأدبي الذي تجدين فيه نفسك ويمكنك الابداع فيه أكثر ولماذا؟ أجد راحتي في كل صنف أدبي لا يقيدني بشروطه الموضوعة، لهذا أميل أكثر للشعر الحر والنصوص النثرية الممتزجة بالصور الشعرية وبعضا من الأساليب الفلسفية في لغة التعبير. ماهو حلمك الأدبي الأبدي في مجال الكتابة والابداع بالكلمات ؟ بما أنني عاشقة للغة الحرف، فأنا مع فكرة البقاء، أسعى لحياة جديدة ملئها الإبداع بعد موتي، أكتب كثيرا كي لا يشيخ عقلي وكي لا أُنسى، فتحيى من بعدي الكلمات، لي عدد من المشاريع الأدبية قيد انتظار فرجها، تكبر بفكري أكثر، ولم يحن الوقت لولادتها بعد. هل من كلمة حرة ؟ أبعث جزيل شكري لك عتمان واسو على التفاتتك الطيبة هذه، التي جعلت قلمي يتمرجح تحت الضوء ويعبر بحرية أكثر عن مكنونات روحه النابضة بحب الأدب والكتابة.