حاوره : عتمان واسو هم مشاريع مبدعين وأدباء في بداية الطريق، لا يعرفهم الكثيرون، يحملون بين ضلوعهم همّ المتعبة والممتعة، زادهم في الرحلة قلم وورقة أو لوحة مفاتيح وشاشة والكثير من الأحداث والتفاصيل المخزنة في الذاكرة يترجمونها إلى كلمات. من هو سعيد الفلاق؟ سعيد الفلاق، اثنان وعشرون عاما، طالب سنة ثانية ماستر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، حاصل على الجائزة الجهوية للقراءة بجهة الرباطسلاالقنيطرة (2017)، وعلى الجائزة الوطنية للقراءة (2017)، وعلى تنويه جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، صنف القصة القصيرة (2017). ماهي العلاقة التي تربطك بالكتابة ؟ الكتابة تُكمّل ما أشعر به من نَقص، أو على الأقل تقلل هذا النَّقص. لا أستطيع أن أتصور حياة دون قراءة ولا كتابة، لأني ببساطة أخاف أن يتمدد نقصي، فأتلاشى. الكتابة مهنة حزينة كما يقول حنا مينه، ومع ذلك، فحزنها حلو المذاق خاصة حين تفلح في إنتاج نصوص قد تخلّدك منذ متى اكتشفت أن لوثة تسويد بياض الأوراق تسكنك؟ منذ الثانوي التأهيلي، ثم تطور الأمر أثناء انتقالي إلى الرباط للدراسة بسلك الإجازة المهنية بالمدرسة العليا للأساتذة، فقد ساعدني هذا الفضاء الجديد على المضي قدما بفضل ما أتاحه لي من فرص للتعرف على العديد من الكتاب المغاربة من جهة، والاطلاع على نصوص الأدب العالمي من جهة ثانية. أنا في الحقيقة مدين للرباط بالشيء الكثير، رغم أنها امرأة شقية. ما هي طقوس وتوقيت الكتابة لديك ؟ أكتب في الليل عادة بعد أن ينام الأهل حين أكون في المنزل، أو بعد أن ينام أصدقائي أيام السكن الجامعي. فالكتابة، بالنسبة لي، قرين الصمت والوحدة. تسدّ آذانك عن ما يوجد حولك، لتسمع للصوت الذي بداخله، وهو يكلِّم يديك لتكتبان. كنتُ أكتب على الأوراق، لكن منذ ثلاث سنوات صرت أكتب على لوحة مفاتيح الحاسوب بشكل مباشر، لكن هذا لا يعني أني أستغني عن الورق، بيد أنه على المرء أن يواكب، دوما، ما يوفره التطور التكنولوجي من معينات تسهل عملية الكتابة. هل الالهام يأتي إليك، أم أنك تضرب معه موعدا في مكان أو أمكنة ما ترحل إليها للقاءه؟ لا أكتب ما لم أشعر برغبة قوية في الكتابة، ويحدث غالبا أن أكتب الأفكار في دماغي أولا، أفكر في القصة وأنا في الطريق، وأنا أستعد للنوم، وأنا أنتظر شخصا ما…، ثم بعدها بمدة أكتبها. لهذا فالكتابة تتخذ وقتا قصيرا مقارنة بالتفكير في ما ينبغي أن يُكتب. الكتابة الحقة لا تقدم نفسها بنفسها، إنّها معاناة مستمرة، ووعي باللحظة وبالتفاصيل المرتبطة بها، من هنا فبدل أن نكتب ينبغي أن ننكتبَ، أن نفرغ عمقنا وروحنا في الحروف وهي تتمدد على الأسطر مليئة بالحركة والحياة. كتاباتك خيال واقعي، أم ترجمة منك للواقع أم هما معا ؟ حين ينتفي الخيال تتحول الكلمات إلى تماثيل، الخيالُ خبز الكتابة، والواقعُ مِلحها. مهما يكن، فأنا أستقي أفكاري مما أعيشه أو ألاحظه، ثم أجعلها (أي الأفكار) ترتدي لباس الخيال، فتصير واقعية في تحققها الخارجي، خيالية في بنائه الداخلي. النص يحيل إلى عالم متآكل، ويحيل أيضا على الذات التي تنتجه. الكتابة، كما أتصورها، خيال وواقع، واقع وخيال. تأكل من هنا، وتأكل من هناك لتشبع، لكنها دوما تظل جائعة. أكيد أن هم الكتابة ثقيل، فكيف تواجه السؤال اليومي الذي يتردد صداه في ذهنك الذي يقول ماذا سأكتب هذه المرة ؟ لا أسأل: ماذا أكتب؟ الأفكار مطروحة في الطريق كما يعلمنا الجاحظ، لهذا فالسؤال الذي أطرحه باستمرار هو: كيف أكتب؟ كيف أحول ركام العالم إلى فسيفساء؟ كيف أصنع اللذة؛ لذة الحدث، لذة العبارة، لذة التخلص، لذة البياض؟ أمام هذه الأسئلة يصير هم الكتابة أثقل، من ثمة، فقبل أن تضع يدك على لوحة المفاتيح تتذكر أنك تضغط على الزناد؛ على رصاصاتك أن تكون قوية ومحسوبة، وأن تصيب الهدف دون إضاعة عدد كبير من الذخيرة. الكتابة لا تؤمن بالمطلق، هي ورشة للتعلم المستمر، والتجريب الدائم، والكاتب الجيد هو من يكتب ويعيد الكتابة، هو من يقسو على ذاته بشكل متواصل. طبعا، هذا أمر يحتاج للوعي والوقت، وجميعا نسعى لكتابة المختلف والفريد لا العادي والمكرور. ما هو الصنف الأدبي الذي تجد فيه نفسك ويمكنك الابداع فيه أكثر ولماذا؟ كنت أفضل القصة القصيرة، البنت التي لا تكبر، تلزمك دوما أن تضع في يدك مقص خياطة، وأن تكون إبرة الحروف متناسقة ومضبوطة مع شكل القميص. للقصة سحر البدايات، وهي تحتاج دوما لخبرة العازف على الكمان أو البيانو. كان إدغار آلان بو يتساءل ما الجنون؟ فيرد: حدّة في الحواس. وأتساءل ما القصة؟ فأقول: حدّة في الحواس. لكني في الآونة الأخيرة اتجهت من الأم إلى الأخت، القصة هي أم الرواية وأختها حسب تصور أستاذنا سعيد يقطين. أن تكتب الرواية كما القصة يعني أن تكون حكاءً، "حلايقي" من طراز رفيع، وأن تكون أيضا شهرزاد، إذا توقفتَ عن الحكي، فإن عنقك في خطر. وإذا لم تكن كذلك، فإنك ستنتج ركاما، كلمات أصناما، لكن لن يعبدها أحد. ماهو حلمك الأدبي الأبدي في مجال الكتابة والإبداع بالكلمات ؟ أن أفكر وأكتب بطريقة مختلفة، أن أتجدد باستمرار، أن أضيف إلى الإبداع العالمي قصصا وروايات نوعية. الرهان صعب كما ترى. لكن السماء تبدو من البسيطة بعيدة، وكلما ارتقيتَ جبلا ما دنت. لعلها قريبة فعلا، وأننا أخطأنا التفكير منذ البدء. ما علينا إلا العمل بانتظام ودوام لأجل تحقيق ما نصبو إليه من طموحات. هل من كلمة حرة ؟ أعتقد أن القراءةَ هي الحلّ لما يعيشه العالم من فوضى. لذلك، أتفق بقوة مع الفكرة القائلة بأننا نولد قراءً، وما نتعلمه هو عدم القراءة. هناك من يسعى إلى اغتيال القراءة، بهدف اغتيال كل فعل إبداعي حر في المجتمع. كما أن الرّهان اليوم على الشباب من أجل ضخّ دماء جديدة في جسد الثقافة والفكر ببلادنا. من لا يقرأ لا يكتب، تلك هي المعادلة. لكني أستطيع القول إن هناك ثلة من الشباب من تملك وعيا متقدما على سنّها، وهي دون شك قادرة على الانخراط بفعالية في مسار الإبداع والخلق والتنوير.