بعد الضجة التي صاحبت نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رأيه بخصوص الموضوع، حيث ركز على مبادئ الموضوعية والشفافية والإنصاف، وأسهر على توفير الحماية التي يضمنها الدستور. وأشار المجلس في رأيه الاستشاري، تتوفر "العمق" على نسخة منه، إلى أنه "من حيث محتويات المشروع يلاحظ أنه يتضمن 10 مواد، وأنه يخصص للأحكام العامة المادة الأولى المتكونة من فقرتين، ولاختصاصات رئاسة النيابة العامة المادتين الثانية والثالثة، ولتنظيم رئاسة النيابة العامة أربع مواد هي المواد من 4 إلى 7 وللأحكام الختامية ثلاث مواد هي المواد من 8 إلى 10، دون وضع عناوين أو تبويب لهذه المحتويات". وتابع المجلس أن ذلك، "يدل على التوازن بين الجوانب التي تغطيها المحتويات ليعبر في ذات الآن على اقتضاب النص وعدم تبويبه، مما يدعو إلى التساؤل عن مدى تغطية هذا المشروع لجميع الجوانب المتعلقة باستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل ونقل الاختصاصات من الثانية إلى الأولى، وتنظيم النيابة العامة بما يستجيب لمستلزمات هذه الاستقلالية دون إخلال بشروط الفعالية والموضوعية والحكامة الجيدة وقواعد الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة". ولفت مجلس اليزمي، إلى أنه "كان من المستحسن أن يعتبر المشروع مناسبة لتحديد طبيعة استقلال النيابة العامة ونطاقه ومداه، ولتضمين بعض القواعد العامة المرتبطة بدور النيابة العامة من قبل، مبادئ الموضوعية والإنصاف والشفافية المرتبطة بدور النيابة العامة، والتزام السهر على توفير الحماية التي يضمنها الدستور والقوانين ذات الصلة للشمتبه فيهم والشهود والضحايا، وإخضاع كل توجيه ذي طابع عام صادر عن رئاسة النيابة العامة لشرط الكتابية وللنشر وفق إجراءات محددة، مع ربط الأمر بإجراء المتابعة في قضية خاصة بضمانات الشفافية والإنصاف". وأوصى المجلس في رأيه الاستشاري، "بمراجعة المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية بما ينسجم مع اختيار استقلالية النيابة العامة"، مضيفا أن "المادة الثالثة من المشروع تحيل على المادة 80 من القانون رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ولكنها تمتد في الوقت ذاته إلى إعادة نص المادة المذكور، والحال أن الاكتفاء بالإحالة على المادة 80 المذكورة بما يفيد نقل سلطة الانتداب التي كان يتوفر عليها وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ستكون كافية". كما تنص المادة الرابعة، حسب المجلس، على أن ‘الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يعد قرارا تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، يحدد بموجبه اختصاصات البنيات الإدارية والمالية والتقنية التي يحدثها لمساعدته، وأن المواد 4 و5 و6 تتحدث عن رصد اعتمادات مالية وعن كون الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض آمرا بالصرف، مما يقتضي توضيح آليات المراقبة القانونية لعمل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بوصفه رئيسا للنيابة العامة متمتعا بصلاحية الأمر بصرف الاعتمادات". وأبرز المجلس، أن "المادة الثانية تتطرق للمجالات والاختصاصات، التي يحل فيها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض محل وزير العدل، وبما أن هذه المجالات تشمل بصفة أساسية إصدار التعليمات والتوجيهات إلى أعضاء النيابة العامة، فإن من المحبذ النص صراحة على أن له الحق في تبليغ ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانن الجنائي إليهم مع أمرهم بمتابعة مرتكبيها، دون أن يمتد هذا الحق إلى الأمر بعدم إجراء الأبحاث والملاحقات القضائية بشأن الجرائم". يذكر أنه تم أول أمس الإثنين، التصويت بالأغلبية على مشروع قانون نقل اختصاصات النيابة العامة من وزارة العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وهو القانون الذي أثار جدلا كبيرا في البرلمان وخارجه. ولم تخل جلسة التصويت على القانون من انتقادات له، حيث حذرت بعض فرق الأغلبية من أن الصيغة التي خرج بها القانون إلى حيز الوجود سيجعل النيابة العامة خارج عن أي مراقبة، وهو ما يجعل منها "سلطة متغولة". وبالرغم من التحفظ الذي أبداه الفريق النيابي للبيجيدي والمجموعة النيابية للتقدم الديمقراطي عن مشروع القانون إلا أنهما صوتا عليه في آخر الجلسة العامة التي احتضنها مجلس النواب، في حين صوت عليه فريق التجمع الدستوري والفريق الحركي والفريق الاشتراكي دون تحفظ. ويعد فريق البام هو الوحيد الذي صوت على هذا القانون بالرفض، في حين امتنع الفريق الاستقلالي عن التصويت، مبررا قراره بأن مشروع القانون عرف "ارتباكا" في صياغة نصه، مذكّرا بأنه سبق له أن قدم تعديلات مهمة على مشروع القانون غير أن وزير العدل قام برفضها. البام عللّ قرار رفضه التصويت على القانون بكونه مخالفا للدستور وللقانون التنظيمي المتعلق بالسلطة القضائية، معتبرا أن النيابة العامة ستتحول إلى جهاز متغول خارج عن الرقابة، محذرا من أن "المصادقة على هذا القانون في غياب المسطرة الجنائية الجديدة، سيجعلنا في مشاكل بما فيها الدولة برمتها". واعتبر البام عبر القيادي عبد اللطيف وهبي، أن "الحكومة من خلال هذا القانون، أعطت لسلطة خارج المراقبة الكثير من السلطات في مجازفة بهذه السلطات ومجازفة بحقوق وحريات المغاربة"، مضيفا أن "هذا اليوم حزين والبرلمان يشهد فيه على تفكيك وحدة السلطة القضائية".