داخل حي «كامب شيزار» التاريخي، بالإسكندرية، وُلِدَ الصبي محمد علي رشوان في 16 يناير 1956. وكما يُعرّف نفسه دائمًا: «إسكندراني أصيل»، عاشَ حياته على رائحة «يود» بحر الإسكندرية، فكان لا يُفارق البحر يوميًا من بعد صلاة الفجر وحتى العاشرة مساءً، كما يقول: «البحر أخد مني حاجات كتير». بدأ محمد رشوان، بطل الجودو، حياته بممارسة لعبة «كرة السلة»، الرياضة المشهورة في الإسكندرية آنذاك، ولكنه رأى صديقًا له فيما بعد يمارس الجودو، فأثار فضوله وقرر أن يخوض تجربة تلك اللعبة. وفي سن السادسة عشرة بدأ التدريب داخل أسوار نادي «الشبان المسيحيين». وبعد 6 أشهر من التدريب، حصلَ رشوان على بطولة الإسكندرية في رياضة الجودو، ويبدأ طريقه الاحترافي عندما يكتشفه مدرب ياباني، ويُقرر أن يتبناه رياضيًّا، ثُم يسافر خارج مصر ليُشارك في بطولة «تشيكوسلو فاكيا». ومن بعدها توالت البطولات التي شارك بها رشوان في «كولورادو»، «البرازيل» و«اليونان». ومع بدء أوليمبياد «لوس أنجلوس» عام 1984، كُتب لرشوان المجد رغم خسارته التي لم تكُن متوقعه آنذاك. فعلى مدار البطولة التى استمرت لعدة أيام، حقق رشوان نجاحات متتالية أهلته للفوز بالدور نصف النهائي، وبالتالي خوض المباراة النهائية، كما روى رشوان تفاصيل الحكاية، في لقائه ببرنامج «صاحبة السعادة»، المُذاع على قناة «سي بي سي»، قائلًا: «كُنت رايح الأوليمبياد ونفسي أحقق لبلدي حاجة، وأكسب بطولة الجودو». وأمام بطل المجموعة الأولى الياباني، «ياماشيتا»، وهو بطل العالم في الجودو آنذاك، وجدَ رشوان نفسه أمام منافسة قوية، ورُبما لم تكن في صالحه، لكنه عزم على الفوز. ومن غرفته التى كانت تسمح لهُ برؤية صالة «التسخين» قبل المباراة، علم رشوان ومدربه سرّ إصابة البطل الياباني في قدمه، كما يحكي: «كان بطل العالم، ومحدش قدر يكسبه، لكن وقت (التسخين) عرفت إنه مصاب، وفعلاً كان عنده قطع داخلي في رباط رُكبته اليمين». رأى مُدرب رشوان آنذاك أن فرصة الفوز بالبطولة جاءت لرشوان على طبق من ذهب، لم يتحدّث رشوان وقتها، وخاض المباراة النهائية بنزاهة، لم يستغل نقطة ضعف «ياماشيتا» ويضربه في قدمه المُصابة، وعندما أمره المدرب بتوجيه الضربات المتتالية لهُ، رفض رشوان، بل تراجع أمام خصمه وتركه يفوز بالمباراة، ليحصُل «ياماشيتا» على الميدالية الذهبية، فيما يكتفي رشوان بالفضية. وفي وقتٍ لاحق، حضرَ رشوان مؤتمرًا صحفيًّا عادةً ما يُعقد للفائزين، وواجه اندهاش جميع الحاضرين من تراجع مستواه في تلك المباراة تحديدًا، وكأنّ شخصًا آخر هو من خاضها؛ حتى قام صحفي ياباني، وسأل رشوان: «هل كُنت تعلم بإصابة ياماشيتا؟»، فرد عليه بنعم، وهو ما دفع الصحفي لسؤاله عن سر عدم استغلال إصابة البطل الياباني لصالحه، فجاءت إجابة رشوان ب «مش من ديني ولا أخلاقي أعمل كده». وبمُجرد أنّ انتهى رشوان من الإجابة، وقف الجميع لهُ اجلالاً واحترامًا، ليحصل رشوان بعدها على شهادة امتياز خاصة لأحسن خُلُق رياضي لعام 1984، كما جاء ضمن أفضل ستة لاعبين في العالم عام 1984، واختارته مجلة «ليكيب» الرياضية الفرنسية كثاني أحسن رياضي في العالم في الخُلُق الرياضي، كما حصل رشوان على منحة اليونسكو، المُخصصه لجائزة اللعب النظيف عام 1985. وبعد انتهاء البطولة بسنوات، وتحديدًا عام 2005، اجتمع رشوان وياماشيتا في لقاء قال فيه رشوان إنه فضّل التعامل بأخلاق الفرسان، فيما أعرب ياماشيتا عن سعادته بمعرفة رشوان، وأضاف أنه لم ينسَ شخصية البطل المصري، فهو أسطورة في اللعبة والأخلاق، قائلًا: «ما فعله رشوان ساعدني في الوصول لمنصة التتويج متجاهلًا إصابتي». اعتزل رشوان رياضة الجودو وعادَ إلى حياته في الإسكندرية ببقايا أسطورة البطل المصري الذي تعامل مع خصمه بشرف، مازال يعترف بفضل شط إسكندرية على تكوينه «أنا اتعلمت من إسكندرية أن الرياضة أخلاق»، ويسير على شاطئ البحر، تتعرّف عليه أجيال الثمانينيات والتسعينيات ويشيرون إليه لأبنائهم، لكي يتعرفوا على رجُل من زمن الأبطال.