"اولمبياد اميركا" هي التسمية المنطقية التي يجب ان نطلقها على دورة لوس انجليس التي افتتحت في 28 يوليو واختتمت في 12 أغسطس 1984 في استاد ميموريال كوليزيوم. فقد طغى الطابع الاميركي على كل شيء حتى على النتائج الفنية، فلولا بعض الميداليات القليلة التي ذهبت الى بعض الدول الأخرى، لكانت الولاياتالمتحدة حصدت كل شيء، إذ لم يكن يظهر على منصات التتويج إلا أبطالا اميركيين على رغم ان عددا من أولئك الإبطال لم يكن على مستوى يؤهلهم لقطف الميداليات، وفق تقرير مطول لوكالة الأنباء الفرنسية بثته اليوم، ونقتطف منه بعض الفقرات. ولم يكن "الغياب الشرقي" وحده السبب في هذه السيطرة الاميركية على الألعاب، بل كانت هناك أسباب خفية، لم تلبث ان تظهر بوضوح، وهي التحيز الفاضح من قبل الحكام والقضاة في مصلحة الاميركيين، بل ان المنظمين أنفسهم عملوا في هذا الاتجاه وهيأوا الفرص المناسبة لأبطال بلدهم! ففي الملاكمة مثلا، نال معظم الإبطال الاميركيين ميداليات ذهبية، على رغم ان المجريات الفنية لا تؤهلهم لذلك. وبعدما تكررت "الانتصارات المزيفة"، وقعت حادثة مضادة كان بطلها حكم يوغوسلافي أعطى الفوز لملاكم نيوزيلاندي ضد اميركي علما ان الأخير كاد ان يكون الوحيد بين الاميركيين الذين يستحقون الفوز عن جدارة. وكانت ردة الفعل عنيفة، إذ قدم الاتحاد الاميركي للملاكمة شكوى إلى الاتحاد الدولي يتهم فيها الحكم بتخسيره ملاكمه عمدا. نظمت لوس انجليس الألعاب الاولمبية وهي المدينة الوحيدة التي ترشحت لاحتضانها، وسبق لها ان نافست موسكو على دورة 1980. وردت "الكتلة الشرقية" بزعامة الاتحاد السوفياتي، وباستثناء رومانيا, التحية للمقاطعة الغربية, الاميركية تحديدا, لدورة موسكو, وجاءت الحجة المعلنة قبل أشهر من موعد الألعاب انه لا توجد حماية كافية للرياضيين. وجاء هذا الموقف في أصعب مراحل العلاقة الباردة بين الشرق والغرب, وفي بداية التحولات السوفياتية الداخلية منذ رحيل ليونيد بريجنيف, والفترة القصيرة التي "أمضاها الرجلان المريضان" تشيرننكو واندروبوف في سدة المسؤولية. وقاطع الاتحاد السوفياتي "الاولمبياد ال23"، فحذت حذوه 13 دولة في مقدمها ألمانياالشرقية وبلغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وكوبا وإثيوبيا... وبدأ العدد هزيلا قياسا بالمقاطعة الغربية قبل أربعة أعوام, لكن المحصلة الرياضية للواقع الجديد ان 58 في المئة من "قوة الميداليات" في دورتي 1976 و 1980 غابت عن الساحة. وعلى رغم الملاحظات الكثيرة على حفل الافتتاح, فقد جاءت هوليوودية صرفة، واشرف عليها المخرج ديفيد والفر. وحصدت الولاياتالمتحدة 174 ميدالية بينها 83 ذهبية, في مقابل 53 لرومانيا (20)، و58 لألمانياالغربية (17)، و32 للصين (15). هكذا سجلت الصين مشاركتها الأولى بعد عودتها إلى العائلة الدولية عام 1979 ودشنتها بذهبية أولى بتاريخ 29 تموز/يوليو 1974 بفضل فوز زو كسو هيابنيغ في مسابقة الرماية بالمسدس الحر. وأنفقت الصين5,2 مليون على إعداد بعثها البالغ عددها 250 شخصا شاركوا في 16 مسابقة ورافقهم 100 مدرب ومسؤول. واستعاد الجميع عن طريق كارل لويس ذكريات جيسي اوينز، إذ جمع مثله أربع ذهبيات في سباقي 100 و200 م والتتابع أربع مرات 100 م والوثب الطويل، وكانت بداية مسلسل جمعه الميداليات الاولمبية التي بلغت تسع ذهبيات حتى دورة اتلانتا 1996. وبرز أيضا مواطنوه أفلين أشفورد في 100 م، وهي شبهت ب "الغزالة السمراء" في دورة روما مواطنتها ويلما رودولف، وفاليري بريسكو هوكس التي حصلت على ثلاث ذهبيات أبرزها في 400 م مع تحطيمها الرقم الاولمبي (83ر48 ث) و200 م، لتصبح أول عداءة تحقق هذه الثنائية الصعبة، والسباح ريك كاري المميز في سباقات الظهر وزميلته تريسي كولكنز في 400 م متنوعة, وبطل الغطس غريغ لوغانيس، ونجم كرة السلة الهاوي آنذاك مايكل جوردان. وأطلق على بطلة الجمباز لو ريتون لقب "كتلة المطاط". وحافظ البريطانيان ديلي طومسون (العشارية) وسيباستيان كو (1500 م) على لقبيهما. ولفتت الأنظار الألمانية اولريكه مايفرت في الوثب العالي 02ر2 م، ومواطنها السباح مايكل غروس في سباقات الفراشة، وبطل التجذيف الفنلندي بيرتي كاربينن الذي حصل على ذهبيته الثالثة في الفردي على غرار السوفياتي فياشلاف ايفانوف بين دورات 1956 و 1964، وقطف الفارس الألماني راينر كليمكي لقبا سادسا. وللمرة الأولى، اعتلت فتاة عربية وافريقية أعلى منصة وهي بطلة سباق 400 م حواجز المغربية نوال المتوكل، إنجاز انسحب على القارة الأفريقية بكاملها أيضا، وتوج مواطنها "الظاهرة" سعيد عويطة بطلا لسباق 5 ألاف م. والى الذهبيتين المغربيتين، حصد العرب فضيتين بواسطة السوري جوزف عطيه في المصارعة اليونانية-الرومانية، والمصري محمد رشوان في الوزن المفتوح للجودو، والذي كان بمقدوره نيل الذهبية لكنه فضل الا يؤذي منافسه الياباني ياشوهيرو ياماشيتا المصاب في يده، وأستحق لاحقا جائزة الاونيسكو للأخلاق الرياضية. وأحرز لاعب كرة السلة المصري محمد سليمان "سلعوه" فوزا معنويا, تمثل باحتلاله المركز الأول في قائمة الهدافين بين 144 لاعبا، إذ سجل 179 نقطة في 7 مباريات. وفي إطار المقارنات، يمكن القول ان رقما قياسيا واحدا أفلت من الولاياتالمتحدة بالنسبة لمجموع الميداليات، إذ ان إحرازها 174 ميدالية جاء في مقابل 177 للاتحاد السوفياتي في موسكو 1980. كما أسهمت مقاطعة الدول الاشتراكية أيضا في بروز أبطال لم يحلموا في إحراز أي فوز أو تقلد ميدالية، أمثال الفنلندي يوها تيهانين بطل رمي المطرقة، والفريق الكندي في التجذيف، والسباح الاميركي جورج ديكارلو في سباق 400 م حرة، والرباع الألماني الغربي رولف ميسلر بطل وزن 100 كلغ, والاسترالية غليينس نن في السباعية. أما حصيلة الأرقام العالمية فبلغ 11 رقما قياسيا فقط، إضافة أل 45 رقما أولمبيا. *تعليق الصورة: نوال المتوكل