وهي ليست بعد سوى في الشهر السادس من عمرها، تجمع كل المؤشرات الميدانية و الإستشرافية بأن ميلاد "التنسيقية الإقليمية لرفع التهميش عن إقليمتاونات" لم يكن حدثا عاديا أو حتى عرضيا أو إجراءً روتينيا، بل جاء في لحظة وصل فيها كل الزاحفون إلى عنق الزجاجة، و عَمَّ الظلام و افتُقِدت الثقة، و أُعلِن عن الموت التام للأحزاب السياسية، و لأدوار ممثلي الأمة مركزيا، ناهيك عن الإحباط الذي يشق صدر التاوناتي في 49 جماعة و هو يُعايِنُ سلوكات و ثقافة التدبير لدى المجالس "المنبثقة" عن الإنتخابات الجماعية ل 04 شتنبر 2015. ولادتها يبدو أنها ستشكل فعلا أملا كبيرا و عريضا لإقليم ارتبط إسمه بالتهميش و التفقير و الممارسات البائدة و بتشعُّبِ الفساد فيه تَشعبَ أوديته و طرقات الراجلين فيه. منذ تأسيسها الفعلي بتاريخ 25 نونبر 2016 — وهو بالضبط التاريخ الذي يصادف الذكرى الخامسة لأول انتخابات في ظل الدستور المعدل تقنيا التي أُجريت في نفس اليوم و الشهر من سنة 2011— منذ ذلك اليوم و شعبية التنسيقية في ارتفاع متزايد خاصة و أن الرسالة الأولى التي التقطها المواطنون بعد الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016، و ما أعقبها من تسفيه لإرادة الناخبين و حبك لهندسة حكومية بعيدة كل البعد عن المنطق و الترجمة السليمة، كانت مُشجعة على تفكيك الإرتباط بالأحزاب و البحث عن إطارات أكتر مصداقية و فعالية. التنسيقية وُلدَت سليمة و ستكبر قوية مادام اسم تاونات يوحدها و الوضع الإنساني المتردي لساكنتها يحرك غيرة أعضائها و يشحذ عزمهم و هِمَمَهُم، و ما دامت مطالبها واضحة و مرتبطة بالحق الطبيعي للإنسان، و مكفولة دستوريا و مدنيا؛مطالب تسمو فوق اللون السياسي و الخط الأيديولوجي. ففي أقل من أسبوعين بعد الوقفة الاحتجاجية الحاشدة التي نفذتها التنسيقية بساحة البلدية في اليوم الموالي لعيد العمال الأممي الأخير، نظمت التنسيقية ندوة صحفية ناجحة، شكلت بالفعل محطة إشعاعية و تنويرية، صباح اليوم،14 ماي 2017. الندوة كانت فُرصةً لإطلاع المنابر الإعلامية المحلية و الجهوية و الوطنية على ظروف و كرونولوجيا تأسيس التنسيقية، و الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها، وكيف تلقت السلطة المحلية مبادراتها النضالية ؛ كما أطلعت التنسيقية الحضور على ملفها المطلبي المُتَمَحور بشكل أساسي حول الصحة، والتعليم ،و قطاع التشغيل، و قطاع التجهيز و النقل، و قطاع الماء و الكهرباء، و قطاع البيئة، فضلا عن قطاع الترفيه و الرياضة و الحريات العامة. وقبل فتح باب الأسئلة في وجه المراسلين و الصحفيين الذين حجوا لتغطية هذا الحدث الإعلامي و أغنوا الندوة بأسئلتهم و ملاحظاتهم، كشفت التنسيقية النقاب عن برنامجها النضالي المقبل و الذي ستستهله بوقفة احتجاجية ثانية بساحة البلدية يوم الخميس 18 ماي 2017 على الساعة السابعة مساءً، فيما ستعلن لا حقا عن تواريخ مبادرات احتجاجية أخرى أكثر تصعيداً ، سيكون من أهمها مسيرة شعبية إقليمية بشوارع بلدية تاونات، و مسيرة شعبية إقليمية أخرى إلى مقر ولاية الجهة بمدينة فاس ،و مسيرة شعبية إقليمية إلى مقر البرلمان بالرباط. و بحسب ما جاء على لسان أعضاء التنسيقية فإن من شأن إلتفاف ساكنة الإقليم على الملف المطلبي المشروع و الموضوعي للتنسيقية، الذي يعرف تعاطفا وطنيا و مساندة معنوية حتى من لدن المواطنين التاوناتيين القاطنين بالخارج، أن يحرك المياه الراكدة، و يُعَجِّل بإرجاع الحقوق المهربة، و يقف غُصَّةً في حنجرة "الآفاعي" التي اعتادت على ابتلاع المشاريع و تفكيكها داخل بيوتها، وإزاحة هياكل الديناصورات من على طريق التنمية التي نجحت في جعل إقليمتاونات منذ إحداثه سنة 1978 يتناوب على صفة "الإقليم الذيلي"، تارة ذيلا في جهة فاس بولمان، و تارة ذيلا في جهة تازةالحسيمة، قبل أن يعود من جديد ذيلا ذليلا في جهة فاسمكناس، تحت عباءة "الجهوية المتقدمة"، يمدها بالماء و الزيتون و التين و الخروب و الجنود…و تمده بمزيد من التهميش و التفقير و التهجير و الآفات الاجتماعية.