حلت في فاتح يوليوز ،الذكرى الخامسة ،لتصويت المغاربة على دستور جديد ،كان قد ارتبط بسياقات" الربيع العربي"، وبدينامية الشباب المغربي المتمثلة في حراك 20فبراير ، وكذا بالتفاعل الذكي والإستباقي للمؤسسة الملكية في خطاب تاريخي يوم 9 مارس 2011. على قصر التجربة الدستورية الحالية،فإنها تبقى بدون منازع التجربة الأكثر تميزا بتضخم الحديث عن"التأويل"، إذ لا يكاد يتم ذكر دستور 2011، إلا مقترناً بالحاجة إلى "التأويل الديمقراطي"، سواء في خطابات الأحزاب أو الصحافة أو المجتمع المدني، بل و حتى داخل خطاب المؤسسات.و إذا كان خطاب بعض الفاعلين السياسيين، قد ربط بين "نجاح" التجربة الدستورية الحالية، وبين هذا لتأويل، فإن قليلا ما يتم الإنتباه إلى أن هذا الحديث المتضخم، هو في النهاية دليل على"الحدود الموضوعية للنص الدستوري" والتي لا تجعله منتجا لأثاره الإيجابية، إلا انطلاقا من نوعية القراءة التي تقدم له، وهو ما يعني في نفس التحليل، تعليق أهمية النص، على الطريقة التي سيتمثله بها الفاعلون الأساسيون،وبالتالي ترك الدستور "رهينة" للحياة السياسية. الواقع أن "فحص" الوثيقة الدستورية ليوليوز 2011، يبين "قابليتها" القانونية والسياسية، لتأويلا ت متباينة، ليس لأسباب لها علاقة بالصياغة والشكل، ولكن أساسا لنهوض النص الدستور على جملة من"التوترات" المهيكلة، والتي تفتح الباب-موضوعيا-أمام إمكانيات تأويلية متعددة.تتعلق هذه التوترات، بتعايش/تنازع المنطقين الرئاسي والبرلماني، داخل هندسة توزيع السلط، داخل الدستور، ثم بتعايش/تنازع النمطين التمثيلي والتشاركي، داخل تصور هذا الدستور لفكرة الديمقراطية، ثم بتعايش/تنازع مرجعيتي الهويةوالمواطنة، داخل البناء القيمي الذي تقترحه وثيقة 29يوليوز2011. هذا دون أن ننسى ما يمكن اعتباره توترا "مزمنا" لكل الدستورانية المغربية، من خلال بحث مدى احتفاظ التجربة الدستورية الحالية، بإشكاليتي السمو والإزدواجية، وهما الإشكاليتين اللتين طبعتا مسار الحياة السياسيةوالدستورية، خاصة منذ بدايات الثمانينات. فإذا كان التوتر "الأصلي" الدستورانية المغربية، يرتبط من جهة بالعلاقة بين دستور مكتوب، وبين دستور ضمني"أسمى"، فإنه من المهم الوقوف على جواب دستور2011، على إشكالية الإزدواجية، وآثارها على مبدأ الشرعية والسمو،من خلال تقسيم الفصل 19 من الدساتير السابقة والتمييز بين صفتي أمير المؤمنين ورئيس الدولة ، الشئ الذي من شأنه أن يوضح مدى تجاوز حالة التطبيق التقريبي للدساتير، التي تصبح معها هذه الأخيرة مجرد نصوص للاستئناس حسب التقديرات السياسية للفاعلين. من جهة أخرى، أكد توالي العديد من الوقائع السياسية، أن حضور مظاهر الديمقراطية التشاركية، إلى جانب البعد الثمتيلي، قد أنتج أثره المباشر، في صياغة علاقة متوترة بين مؤسسات "الثمتيل"، وبين هيئات الحكامة الجيدة. في مجال المرجعية الفكرية للوثيقة الدستورية، فان تجاذب خطاب الكونية وحقوق الإنسان، مع خطاب الهوية والخصوصية والثوابت، لاشك أنه يعرض الممارسة لتوترات قيمية مؤكدة. علاقة بتمثل الفاعلين لدستور 2011، إذا كان لابد من تقديم خلاصة ما، في هذا السياق ، يمكن القول أنه لدينا اليوم، دستور جديد ومتقدم، لكن مع ثقافة سياسية قديمة تتحكم في تطبيقه وتفعيله وتأويله، مما لا يجعل دائما من احترام "الشرعية الدستورية "القاعدةالسائدة ولا يجعل الحياة الدستورية مطابقة دوما لكل الواقع السياسي. إذ لا شك أن جزء من الدولة- كما يتضح على الأقل من الخطاب الديني الرسمي- يريد أن يحتفظ من الماضي، في بعض الحالات، بفكرة- طورها الملك الراحل– هي أسبقية وأولوية وسمو النظام السياسي على مؤسسة الدستور نفسه، كما أن جزء من النخب الحكومية وغير الحكومية، تريد هي الأخرى، في بعض الحالات، أن تحتفظ من الماضي، بفكرة – طورها اليسار سابقا- هي أولوية الثقة على التعاقد المكتوب، وأسبقية السياسي على الدستوري.لذلك في بعض الحالات، تريد الدولة أن تبدو أقوى من الدستور وأكبر منه. وفي المقابل، تبدو الحكومة أضعف من الدستور، مثلها تماما مثل العديد من الفاعلين السياسيين الذين يعانون من أزمة تمثل حاد لدستور2011، ويستمرون في إستبطان روح دستور 1996.