حضروا ... فغابت الكراسي غاضبة متمردة ! زينوا الكراسي الكبيرة أو زوقوها، خذاو من الطبيعة رموز القوة، رسمو عليها نسورا وأسودا كاسرة، وأسلحة كاتمة للصوت والرأي الآخر، وسيوفا قاطعة للألسنة الرافضة، زادو عليها من الفوق ميزان العدل. رموز ما خذاو منها سوى قوة البطش والجبروت، والسرعة في الهجوم و التصدي للفريسة. لم يأخذوا من الأسود تعففها ولا من الصقور أناقتها، حولوا النسور الشامخة في الأعالي إلى جوارح تقتات من جثت الضعفاء، وتنتظر في الخلاء أن تلفظ الضحية العزلاء آخر أنفاسها وتتحول إلى جثة هامدة حتى تتمكن منها. كانت الصقور والنسور رمزا للشجاعة والإقدام، وتحولت لدى المتسلطين على شعوبهم إلى رمز للجبن والانتهازية البئيسة، تحولت إلى رمز للموت البطيء، لا رمزا لانطلاقة الحياة والعنفوان. نزلوا بالمظلات على الكراسي، وكثيرا ما حضرت الكراسي وحضر الراكبون عليها بالقمع والتزوير واللصوصية، فقررت الكراسي المركونة في البرلمان الصوري يكسيها الغبار والسوسة والنسيان أن تنسحب احتجاجا. أن تغيب بدورها حتى يجد الغائبون الدائمون عنها، (والذين غيبوا الشعب عن كل ما تعرفه البلاد من تخلف ومآسي ومظالم وقضايا مصيرية)، تبريرا يقنعون به أولئك السدج الذين وضعوا ثقتهم فيهم، الكراسي لم تخن ثقة أحد، الكراسي صنعت لتخدم قضية وترفع من شأن من يرفع الحق ويعلي من شأنه. لكن الكراسي تلفو فهاد البلاد! البرلمان عبارة عن مرعى يوفر الكلأ لأعضائه وللرحل وديكور يوفر للمخزن وسيلة كي يمرر ما يشاء، ينتقلون من خيمة سياسية إلى أخرى في رمشة عين، منهم من قلب سلهامه عشر مرات في دورة واحدة، و ارتدى كل الألوان. يتبع...