دخلت عملية تشكيل الحكومة في المغرب منعطفا جديدا، عقب صدور بيان عن الديوان الملكي يعفي رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيلها. وعزا البيان القرار الملكي لتعثر إخراج الحكومة المنتظرة إلى حيز الوجود بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على إجراء انتخابات تشريعية بوأت حزب العدالة والتنمية ذو الاتجاه الإسلامي المرتبة الأولى في مجلس النواب. وكان زعيم الحزب عبد الإله بنكيران، الذي شغل منصب أول رئيس حكومة في المغرب منذ التعديلات الدستورية التي تلت احتجاجات حركة 20 فبراير عام 2011، وأعقبها إجراء انتخابات تشريعية مبكرة وتشكيل حكومة ائتلافية، قد أجرى مشاورات، منذ شهر أكتوبر الماضي، مع مختلف الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، باستثناء غريمه حزب الأصالة والمعاصرة. إلا أن تلك المشاورات لم تفض إلى أي نتيجة. وكان عبد الإله بنكيران قد واجه صعوبات في مفاوضاته مع حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة عزيز أخنوش المقرب من دوائر القرار. واشترط أخنوش على بنكيران إقصاء حزب الاستقلال من الحكومة من جهة وضم ثلاثة أحزاب أخرى صغيرة متحالفة معه هي حزب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. غير أن بنكيران الذي تنازل مكرها عن ضم حزب الاستقلال لم يقبل بشروط زعيم تجمع الأحرار عزيز أخنوش واعتبرها استفزازا لموقعه، وتحديا لصلاحياته كرئيس للحكومة. وظلت المفاوضات بين الجانبين معلقة منذ نهاية يناير الماضي في انتظار عودة الملك محمد السادس من جولة في دول إفريقيا دامت 10 أسابيع. وبعد ساعات على صدور البيان الملكي عقدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية اجتماعا لبحث تداعيات قرار إعفاء بنكيران، وقررت دعوة المجلس الوطني (برلمان الحزب) إلى الانعقاد يوم السبت المقبل. وفي ختام ذلك الاجتماع أعرب الأمين العام للحزب، في تصريحات للصحفيين، عن "تثمين الأمانة العامة لما جاء في بيان الديوان الملكي، رغم أنه وضع حدا لرئاسة بنكيران للحكومة". وأضاف "تقرر جمع المجلس الوطني للتداول في الموضوع، وأن نذهب في الاتجاه الذي يقوم على احترام الديمقراطية". وعلى الرغم من أن القرار الملكي شكل صدمة لجزء كبير من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، باعتبار الشعبية الواسعة التي يتمتع بها بنكيران، والتي أكدتها نتائج حزبه في الانتخابات المحلية لعام 2015 والتشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي، فإن بنكيران وبعض أعضاء الأمانة العامة للحزب رحبوا بالقرار الملكي فيما التزم آخرون الصمت حيال أي تعليق صحفي في انتظار أن يتبلور موقف موحد للحزب وتتضح الرؤية المستقبلية له. وسيتعين على برلمان الحزب تحديد مواقفه والاتفاق حول ما إذا كانت الشخصية المقبلة التي سيختارها الملك محمد السادس في رئاسة الحكومة ستتبنى النهج نفسه الذي اتبعه بنكيران مع الأحزاب المقربة من القصر وعدم تقديم تنازلات جديدة، أم أن الحزب سيبدي استعدادا للقبول بشروط دخول تحالف قوي من أربعة أحزاب من شأنه أن يشكل ضغطا على رئيس الحكومة المقبل. وأمام هذا الوضع السياسي الجديد في المغرب ثمة من يعتبر إعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة بداية لتقليم أظافر حزب العدالة والتنمية الذي تصدر الجولتين الانتخابيتين الأخيرتين، قبل أن تكتسح شعبيته القرى مثلما اكتسحت المدن. ويقول هؤلاء إن ثمة اتجاها لطي صفحة احتجاجات عام 2011 التي أتت بالحزب ذي المرجعية الإسلامية إلى الصدارة وإغلاق القوس الذي منح الإسلاميين في المغرب خمس سنوات على كراسي الحكومة. غير أن محللين آخرين يرون أن ما يجري في المغرب هو تحول سياسي وطبيعي لكنه غير مألوف. ويضيف هؤلاء إنه ما دامت القرارات السياسية لا تنتهك الدستور فإن البلاد في منأى عن زعزعة استقرارها.