من يسيطر على الإعلام يسيطر على كل شيء، مقولة الكاتب الأمريكي هربرت شيللر في كتابه "المتلاعبون بالعقول". هذه المقولة قد تجد لها مكاناً في وصف الإعلام المغربي وبالخصوص التلفزة المغربية، التي تعتبر من بين أهم الوسائل الإعلامية المنتشرة بين الناس، ولا سيما أولئك الذين لا يُجيدون استعمال الشبكة العنكبوتية، وهنا نتحدث عن شريحة واسعة من الجمهور الذي لا يتقن التعامل مع التكنولوجيا، وذلك راجع لعدة اعتبارات من بينها انتشار الأمية في أوساط المجتمع، فيصبح المشاهد أسيراً للوسيلة الإعلامية الوحيدة هي التلفزة، من أجل تلقي الخبر، المعرفة، الأخلاق وأيضا من أجل الانفتاح على الحضارات الأخرى. هل التلفزة المغربية في خطابها الموجهة للمشاهد، تنقل بمصداقية ومهنية ما يأمله هذا المشاهد؟ ألا تؤدي تلك البرامج المعروضة في التلفزة إلى بث ثقافات وعادات غريبة قد تسيء إلى المجتمع؟ ألا تغازل التلفزة المغربية الشعب من خلال مجموعة من البرامج لتوهمه أنها تناصر قضاياه المجتمعية؟ بحكم الفئة الكبيرة من متتبعي التلفزة المغربية ليست لهم القدرة الكافية لتحليل المضامين، وكذلك بحكم الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي يستعملونها، فإن السيطرة على عقول الجمهور الواسع تكون سهلة ومحكمة، بحيث تصبح التلفزة هي المتحكم البارز في نوعية القيم والعادات التي يجب أن يتلقاها المشاهد والتي يجب أن يتبناها، بعيداً عن الموروث الثقافي والهوية التي طبعت تواجده في الوطن الذي يعيش فيه. وخير دليل على ذلك، تلك المسلسلات المدبلجة وهي إما مكسيكية أو تركية، التي تضع الجمهور أمام واقع مختلف لما يعيشه، بعيداً عن هويته التي يتميز بها، ونحن نعلم أن لكل بلد ما يميزه عن البلدان الأخرى من ثقافة وهوية، يجعل أهل ذلك البلد يفتخرون بما يميزهم عن غيرهم، ولهم من العوامل ما يجعل تلك الثقافة والهوية قائمة ومتجدرة في تعاملاتهم وسلوكاتهم، لكن أن تُفرض تلك الثقافة والهوية على المجتمع الآخر الذي له ما يميزه هو أيضا، يعتبر تعدياً على حرية الأخر وتدخلاً في اختياراته، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتلفزة التي تُموَّل من جيوب المواطنين عن طريق مساهمةٍ تضاف إلى فاتورة استهلاك الطاقة. وتكون بذلك، التلفزة المغربية قد ضربت دفتر تحملاتها بعرض الحائط، والذي من بين فقراته "عدم المساس بالأخلاق والآداب العامة"، و أيضا "تمنع الشركة عن بث الخطابات الإشهارية التي تحتوي على إحاءات من شأنها أن تضر بصحة القاصرين أو تسيء إلى حسن سلوكهم"(*). إن ما تفرضه التلفزة على المشاهد من أفلام ومسلسلات وبرامج، دون الأخذ بعين الاعتبار الهوية التي يقوم عليها المجتمع، يجعل الفرد تائها في صراع بين مكتسب قديم من قيم وثقافة ورثها على إثر احتكاكه بالواقع المفروض عليه، وقيم وثقافات جديدة وغريبة تحاول أن تنفي تلك الهوية المصقولة في سلوك وتعامل المشاهد عبر مراحل. هذا الصراع يربك تواجد الفرد في المجتمع، فيصبح تائها بين الواقع الذي يعيشه ونقيضه، وغير قادر على التمييز بينهما، ليبرُز لنا خليط غير واضح بين ما هو محلي وما هو مستورد من القيم والأخلاق، ثم نجد أنفسنا في تخبط بين ما يصلح وما لا يصلح. لكن من حين إلى آخر، وبفضل دفتر التحملات الذي يَفرض على التلفزة المغربية تخصيص وقت معين لبرامج ذات بصمت مغربية، فإننا نصطدم ببرامج تحكي معاناة الشعب، حتى نتوهم بأن التلفزة المغربية تناصر قضايا المستضعفين أو أنها تُلي الاهتمام بالهوية المغربية وتعطي لها المكانة في برامجها، لكن في العمق، يتجلى لنا بوضوح ما مدى استغلال التلفزة لتلك القضايا من أجل إثراء برامجها وكسب المزيد من الأرباح، مستغلة بذلك جهل وفقر بعض الأسر المعوزة لإقحامهم في برامج معينة بمقابل مادي زهيد، لتستغل معناتهم وأسرارهم الشخصية لفضحها أمام الملأ، مغازلة بذلك الشعب الساذج الغارق في التخلف الذي يُفرض عليه كرهاً وتساهم فيه التلفزة بشكل أو بآخر. هذه البرامج تعتبر إهانةً لكرامة الأشخاص أكثر من كونها اهتماماً بهمومهم ومعاناتهم، رغم أن دفتر التحملات يجبرها في الأوراق على عدم الحط من كرامة الإنسان، حيث نجد من بين فقراته "تسهر الشركة على مراعاة قواعد التحفظ عند بث الصور أو الشهادات التي من شأنها إهانة الأشخاص"، وفي فقرة أخرى "تسهر الشركة في إطار برامجها على احترام شخص الإنسان وكرامته"(*). التلفزة المغربية تبقى دائما شركة ربحية، تنظر إلى الربح المادي أكثر مما تنظر إلى القيم والهوية، والآثار السلبية لبرامجها على المجتمع ظاهرة للعيان، وما يعكس تلك الآثار في الواقع، هو ما نشاهده من مشاكل بين الأزواج وبين الأسر وتفسخ للأخلاق العامة بين الناس، وعدم الإكتراث بالآخر في السلوك اتجاهه. (*) الجريدة الرسمية عدد 6093، 6 ذو الحجة 1433 (22 أكتوبر 2012).