تاريخ التربية الإسلامية في المغرب هو تاريخ غير المرضي عنه منذ البداية، حيث لم يكن دخولها ضمن مواد التعليم و لا سيما الثانوي دخولا مبنيا على رؤية واضحة بقدر ما كان محاولة من النظام المغربي لخلق نوع من التوازن مع التيار الإلحادي الذي عرف تمددا مهولا في الثانويات و الجامعات المغربية في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي، هذا التيار الذي لم يعد يقيم أي اعتبار للسلطة الدينية التي تشكل أحد أركان النظام و جانبا مهما من مشروعيته. في هذا السياق المشحون بالصراع الفكري و السياسي و محاولة خلق توازنات إيديولوجية وفي إطار سياسة " إلقاء قط على فأر" جاءت فكرة تدريس مادة التربية الإسلامية في مقابل مادة الفلسفة، و قد أسند تدريسها في البداية لكل أستاذ مطعون في كفاءته من كل المواد– الاستثناء موجود- و خصصت لها حصة واحدة كانت أقرب إلى محطة للاستراحة سواء بالنسبة للتلاميذ أو الأساتذة، و لم يتم إدراجها ضمن مواد امتحان الباكالوريا إلا نهاية الثمانينيات التي تزامنت مع فتح شعبة الدراسات الإسلامية في الجامعات المغربية. و منذ ذلك الوقت لم تحظ هذه المادة بأكثر من حصتين في الأسبوع بالنسبة لجميع التخصصات، لتظل ضمن خانة المعاملات الصغرى و المواد الثانويةباستثناء التعليم الأصيل و العتيق اللذين تشكل فيهما مواد التربية الإسلامية المادة الأساسية. و قد تمت مراجعة التربية الإسلامية مع مطلع الألفية الثالثة التي بالتزامن مع ظهور مصطلح الإرهاب و ما رافق ذلك من اتهام ضمني و صريح للدين الإسلامي بتوليد الإرهابين و تصديرهم للعالم، وذلك من قبل الحاقدين على هذا الدين سواء من أبناء جلدتنا أو من غيرهم. و عوض أن يوضح للتلاميذ معنى الجهاد الحقيقي و ضوابطه و شروطه تم حذف هذا الدرس من المقرر عملا بقاعدة " الاستئصال خير من الترشيد" و هو مثال من بين أمثلة عدة تؤشر على قصور في الفهم و المعالجة. و بالرغم من كل أشكال التشذيب التي طالت درس التربية الإسلامية لم يهدأ بال التيار الفرنكفوني العلماني الذي وجد الفرصة مواتية من جديد خاصة بعد الرسالة الملكية الموجهة إلى كل من وزير الأوقاف و وزير التربية الوطنية بضرورة مراجعة هذه المادة حتى أبانوا عن سوء نياتهم و ترصدهم بهذا الدين، فسارعوا إلى الربط بشكل آلي بين وجود مغاربة في صفوف داعش و بين مادة التربية الإسلامية في تعسف غريب و مريب على كل الحقائق و الوقائع التي تكشف أن الكثير من الداعشيين المغاربة هم من أبناء أوروبا مولدا و نشأة و تربية و تعليما، و نسبة منهم منحرفون يبحثون عن أقصر الطرق للتخلص من ماضيهم البئيس، و منهم من لم يكمل دارسته الابتدائية و الإعدادية. قد لا يختلف اثنان في ضرورة مراجعة كل المقررات الدراسية و ليس فقط التربية الإسلامية، و ذلك لاعتبار أكيد هو مسايرة المستجدات التي تعرفها كل المعارف و العلوم، و عدم رهن أجيال من التلاميذ عند لحظة تاريخية واحدة، شرط أن يكون هذا التحديث و المراجعة يراعي الخصوصيات و يحفظ الثوابت التي يريد البعض إلغائها أو تمييعها، و أن يكون استجابة حقيقية لحاجات المجتمع و ليس إرضاء لنزوات فئة متنفذة تريد عزل المجتمع عن قيمه الأصلية و إلحاقه بذيل الغرب تحت ذريعة القيم الكونية ، و حياكة دين على مقاس الشروط الغربية لا مكان فيه لحلال أو حرام. لكن المثير للدهشة في إطار هذا التعديل الجديد هو استبدال لفظ الدينية بالإسلامية كحلقة أخيرة لاستحكام إبعاد الطابع الإسلامي عن مكونات العملية التعليمية، و هي خطوة متقدمة لإلغائها في قادم الأيام و تعويضها بالتربية المدنية أو الحقوقية أو الكونية، و إلا كيف نفهم لفظ التربية الدينية في مجتمع 99 في المائة من سكانه مسلمين!هل من الممكن مثلا تدريس بعض شرائع الإنجيل أو التوراة في هذا الكتاب أو الاستشهاد بأسفارهما؟ الحاصل أنه حتى لو تم حذف مادة التربية الإسلامية من المقررات التعليمية، فإن التطرف و الإرهاب سيظل قائما مادامت أسبابه الحقيقة قائمة و هي الظلم الذي تمارسه قوى الاستكبار العالمي على الشعوب المستضعفة، من خلال نهب خيراتها و حرمان أبنائها من حقهم في حياة كريمة، كما أن التأطير الخطير للتلاميذ ليس مرده إلى الكتب المدرسية بل مرده إلى السماوات المفتوحة.