المصطفى سنكي : ما موقع مادة التربية الإسلامية غلافا زمنيا وقيمة/مُعاملا وتأثيرا في بناء شخصية المتعلم وسلوكه؟ ما هي مسوغات الدعوة لمراجعة مقرراتها تزامنا مع تنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح؟ أية علاقة لقرار المراجعة بتثبيت الفرنسية لغة تدريس للمواد العلمية بعد سجال رئيس الحكومة ووزيره على التعليم؟ وأخيرا، هل الأمر مراجعة أم تراجع تمكينا لتوجه معين، وبالتالي، هل الأمر مؤشر على إعادة ترتيب عناصر التحكم في صناعة الوعي المجتمعي تفاعلا مع المتغيرات محليا وإقليميا؟ معلوم أن منظومة التعليم مغربيا تقوم على المعيار الكمي وتراهن على حشد ذهن المتعلم بالمعارف أكثر من تمهيره على امتلاك الخبرات والمهارات التطبيقية. وتصنف مادة التربية الإسلامية ضمن المواد الثانوية بالنظر إلى سقفها الزمني ومُعاملها والانفصام بين مخرجاتها المتوخاة وواقع تلاشت فيه منظومة القيم ذات الصلة بهوية المجتمع، إضافة إلى شروط تدريس المادة وطبيعة مضامين بعض المقررات السنة الأولى باكالوريا، موضوع الإرث نموذجا لتتوفر عوامل النفور من المادة يجليه اللجوء إلى كل أشكال الغش في الفروض كما في الاختبارات الإشهادية؛ فأنى لمادة بهذه الشروط أن يكون لها تأثير في بناء شخصية المتعلم، وهو لو استشير لاقترح حذفها أصلا؟ وحيث إن المناسبة شرط، فقرار مراجعة مقررات التربية الإسلامية لا ينفك عن سياقين داخلي وخارجي، فالداخلي يتمثل في حرص النظام على التوازن في المشهد السياسي، ويعتبر التعليم من أدوات ضبط إيقاعه، فمتى انتعش التيار اليساري مكّن من خلال المقررات التعليمية للتوجه الإسلامي (الفكر الإسلامي مقابل الفلسفة)، ومتى انتعش التيار الإسلامي استعان باليسار للحد من امتداده، وميدان النزال ومضماره الساحة الجامعية حيث يستحيل الجدال الفكري والتناظر المعرفي مواجهات وصراعات دامية؛ وإلا فقرار المراجعة كان يمكن تمريره ضمن تطوير عام للمقررات انسجاما مع متطلبات تنزيل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم. وأما السياق الخارجي، فيتمثل في حرص النظام على شهادة حسن السلوك من الاستكبار العالمي من خلال الانخراط في مخططاته: محاربة الإرهاب نموذجا، ولا عجب أن يتحول المغرب إلى قِبلة للمخابرات الأوروبية استفادة من الخبرة المغربية، وكأن أوروبا تريد المغرب دركيا لتأمين حدودها الجنوبية ضد الإرهاب والهجرة السرية متجاهلة مصالحه الاقتصادية: قرار محكمة العدل الأوروبية، بخصوص إلغاء اتفاقية الفلاحة والصيد البحري وحذر استيراد منتوجات الأقاليم الجنوبية. والأدهى أن السياسيين والأكاديميين المغاربة تفاعلا مع القرار الأوروبي توافقوا فيما يشبه التهديد الخفي أن الاتحاد الأوروبي سيخسر من قرار محكمة عدله أمنيا ويرشح منطقة الساحل للفوضى. ورغم أن الاهتمام تركز على قرار مراجعة مقررات التربية الإسلامية، فما ينبغي تجاهل قرار لا يقل أهمية ودلالة، إنه قرار الحسم في اعتماد الفرنسية لغة تدريس للمواد العلمية، وفي غياب أي تقييم لما يسمى تعريب المواد العلمية منذ أكثر من ثلاثة عقود، فإن قرار فرْنسة المواد العلمية لا يخلو من إيحاءات غير بريئة، لا سيما والواقع أثبت قصور اللغة الفرنسية وعدم قدرتها على مجاراة لغات أخرى في مجال البحث العلمي، لكن الأمر محسوم سلفا عندما يتعلق الأمر ب"أمنا" فرنسا ثقافيا وفكريا بل واقتصاديا. ألم يُفوت مشروع القطار السريع (TGV) بين طنجة والدار البيضاء إلى شركة فرنسية مهددة بالإفلاس، رغم تقديم عروض أخرى بثمن تفضيلي وضمانات تقنية أحسن من العرض الفرنسي؟ إذن هي حزمة واحدة في الاقتصاد كما في القيم وفي البحث العلمي. إن القرار واستحضارا للمتغيرات محليا (استكمال الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي) وإقليميا (تعثر مسارات التغيير) يؤسس لمرحلة ما بعد الحراك ترتيبا لعناصر التحكم وتوزيعا جديدا لأدوار الفاعلين السياسيين في النسق الرسمي، وما يقتضيه من دعم ولو من طرف خفي لهذا ووضع آخر في موقف الدفاع والتبرير لهكذا قرارات لا يملك مجرد إخضاعها للنقاش، فكيف يتموْقف منها؟