لا جدال في ان نجاح المخابرات المركزية الامريكية في الوصول الى الإمام انور العولقي أحد قادة تنظيم القاعدة البارزين في اليمن، وبالتالي تصفيته جسدياً مع ستة من رفاقه، يعتبر ضربة قوية للتنظيم، وانتصاراً للرئيس الامريكي باراك اوباما وإداراته، بعد اربعة أشهر تقريباً من انتصار اكبر تمثل في قتل زعيم التنظيم نفسه اسامة بن لادن، في منزل احتمى به في مدينة أبوت اباد الباكستانية. فالإمام العولقي كان يمثل الجيل الثاني من قادة القاعدة، ويتمتع بقدرة عالية في الخطابة والتأثير في الشباب الاسلامي المحبط من التغول الامريكي الغربي ضد العرب والمسلمين، والأهم من ذلك ان الرجل يتمتع بثقافة اسلامية تجمع بين التقليد والحداثة، ويجيد الحديث باللغتين الانكليزية والعربية، مما يؤهله لمخاطبة المسلمين في الغرب والشرق، وتجنيد اكبر عدد ممكن منهم، مثل الطالب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، المتهم بمحاولة تفجير طائرة ركاب امريكية، فوق مدينة ديترويت الامريكية قبل ثلاثة أعوام، او الضابط الامريكي المسلم نضال حسن، الذي اقتحم قاعدة فورت هود وقتل عشرة من زملائه، حسب نتائج التحقيقات الامريكية. هذا 'الانجاز' الامريكي على اهميته، ربما يكون مكلفاً للغاية، بالنسبة الى الرئيسين الامريكي واليمني معاً، هذا اذا لم تترتب عليه نتائج عكسية على صعيد الحرب الامريكية الشرسة ضد الارهاب الدولي، في اكثر من بقعة في العالم، خاصة في افغانستان وباكستان والعراق بالاضافة الى اليمن نفسه. الادارة الامريكية استخدمت طائرة بدون طيار في تنفيذ عملية الاغتيال هذه، وما كانت لتصل الى هذا الهدف المهم دون مساعدة الاستخبارات اليمنية وتعاونها، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول تأكيدات يمنية رسمية عديدة افادت بأن الولاياتالمتحدة لا تنفذ اي عمليات عسكرية داخل اليمن ضد تنظيم 'القاعدة' او غيره. من الواضح، وبعد عملية الاغتيال هذه، ان المخابرات الامريكية تتعاطى مع اليمن مثل تعاطيها مع افغانستان، على صعيد محاربة تنظيم القاعدة من ناحية، وحركة طالبان الداعمة له من ناحية اخرى، مع خلاف اساسي وهو ان افغانستان تقع رسمياً تحت الاحتلال الامريكي، بينما من المفترض ان يكون اليمن دولة مستقلة تتمتع بسيادة كاملة على ترابها الوطني. الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يواجه انتفاضة شعبية تطالب برحيله من السلطة، لن يقل سعادة عن الرئيس اوباما في تحقيق هذا الانتصار ، لانه سيعمل ،اي اغتيال الإمام العولقي ورفاقه، على تثبيت اقدامه في السلطة، ورفع اسهمه لدى الادارة الامريكية التي تعتبر دور حكومته في محاربة تنظيم 'القاعدة' بمثابة اهمية 'بترول' الخليج أو ليبيا، أو الاثنين معاً، اذا وضعنا في اعتبارنا ان تضخم وجود التنظيم في اليمن، في ظل انكماشه في كل من افغانستان والعراق، جعل منه القيادة المركزية الأخطر والأهم. ' ' ' موقع اليمن الاستراتيجي الذي يؤهل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية الموجود على ارضه، ليس فقط للتحكم في مضيق باب المندب وتهديد خطوط الملاحة التجارية الدولية في بحر العرب، وناقلات النفط على وجه التحديد، وانما الوصول الى مستودع الثروة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى، حيث ثلثا احتياطات النفط العالمي تقريبا، وصادرات مقدارها 18 مليون برميل يوميا تتدفق الى الاسواق العالمية، والغربية على وجه الخصوص. الولاياتالمتحدةالامريكية لم تكن جدية في مطالبتها الرئيس اليمني بالتنازل عن السلطة لنائبه، واجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد، بسبب حاجتها اليه ونظامه لمواصلة دورهما في الحرب ضد تنظيم 'القاعدة'، ومن المؤكد انها ستصبح اقل جدية بعد نجاحها، وبمساعدة النظام اليمني في تحقيق هذا الانتصار الكبير. فالحرب على هذا التنظيم اهم كثيرا بالنسبة اليها من تحقيق التغيير الديمقراطي في اليمن، والدليل على ذلك انها لم تفرض اي عقوبات اقتصادية على نظام صنعاء بسبب تصديه للمحتجين بقبضة امنية قوية، على غرار ما حدث للنظامين في سورية وليبيا على سبيل المثال. وتشاطر المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى الولاياتالمتحدة الموقف نفسه من الثورة في اليمن، ودعم النظام الحاكم في صنعاء بالتالي، ليس لان هذه الدول تحارب كل حركات التغيير الديمقراطي، وتحصن حدودها وانظمتها في وجهها لمنع وصول نيرانها الى طرف ثوبها، وانما ايضا لانها تخشى خطر تحول اليمن الى دولة فاشلة، مما يفسح مجالا لتنظيمات اسلامية متشددة، ومن بينها 'القاعدة' لاتخاذها منطلقا لعمليات هجومية ضدها. كان بمقدور المملكة العربية السعودية منع الرئيس اليمني، الذي اقام فيها مدة شهرين للعلاج من اصابات المت به اثر محاولة اغتيال استهدفته، من العودة الى بلاده، او'اقناعه' بتوقيع المبادرة الخليجية والتعهد بتنفيذ بنودها قبل المغادرة، ولكنها لم تفعل، بل سهلت له سبل العودة من البوابة الرئيسية، وبعد لقاء مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. ' ' ' الرواية التي سرّبتها مصادر سعودية وافادت بأن الرئيس اليمني خدع المسؤولين السعوديين وذهب الى مطار الرياض تحت ذريعة توديع بعض مساعديه، ومن ثم استقلال الطائرة والعودة دون علم او اذن المسؤولين السعوديين، رواية لا يمكن ان تقنع حتى اكثر الناس سذاجة، لان 'نملة' لا تستطيع مغادرة مطار الرياض دون علم المسؤولين، ومن ثم رجال الامن الذين يفوق عددهم عدد الركاب المغادرين، وحتى اذا صحت هذه الرواية الرسمية، فإنها تشكل ادانة، ومن ثم احراجا للأمن والمسؤولين السعوديين معا. من المؤكد ان تنظيم 'القاعدة' سيهدد، وبعد ان يفيق من الصدمة، بالانتقام لمقتل الإمام العولقي ورفاقه، تماما مثلما هدد بالانتقام لمقتل زعيمه اسامة بن لادن، ولكن ما هو اخطر من التهديد، وربما التنفيذ ايضا، هو رد فعل الشعب اليمني، على انتهاك الطائرات الامريكية لسيادة بلاده اولا، ومقتل احد ابنائه ثانيا، وما حققه ذلك من تعزيز لمكانة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ثالثا. الشعب اليمني معروف بشدة بأسه، وعدم نسيانه ثأره، وسعيه الحثيث للانتقام، ولا نستبعد ان تساهم عملية الاغتيال هذه في تسهيل او توسيع عملية انضمام شباب يمني الى تنظيم 'القاعدة'، وزيادة حال الكراهية المتزايدة لأمريكا وحلفائها في اليمن والجزيرة العربية بشكل عام. من الصعب على تنظيم 'القاعدة' تعويض شخص مثل الإمام العولقي، ولكن اغتياله لن يكون بداية النهاية لهذا التنظيم الذي يشبه التنين الاسطوري، الذي كلما قطعت احد رؤوسه نبتت رؤوس اخرى مكانه، خاصة في بلد مثل اليمن انجب زعيم التنظيم اسامة بن لادن، وأحد ابرز تلاميذه 'النجباء' الإمام انور العولقي.