بعث قرار للحكومة المغربية -رفعت به تحفظات الرباط على اتفاقية دولية- قضية المرأة من تحت الرماد بعد خمود دام سنوات عديدة، وزج بها وسط حراك سياسي واجتماعي من الصعب التكهن حاليا بمآله. وقد كشفت تقارير صحفية في الآونة الأخيرة أن الحكومة المغربية بعثت برسالة سرية إلى الأممالمتحدة أكدت فيها رفع المغرب تحفظه على المادة التاسعة والسادسة عشرة من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة، والمعروفة اختصارا باتفاقية "سيداو CEDAW". وعلى الرغم من أن المادة التاسعة من الاتفاقية لم تعد تطرح أي إشكال بعدما خول الفصل السادس من قانون الجنسية المغربي الجديد الحق للمرأة في منح جنسيتها لأبنائها، لكن المادة السادسة عشرة تحث الدول الموقعة على الاتفاقية على ضمان نفس الحقوق والمسؤوليات -للرجل والمرأة- أثناء الزواج وعند فسخه، وفي ما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم. وسبق أن أعلنت دول عربية وإسلامية -وبينها المغرب- تحفظاتها على المادة السادسة عشرة من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة نظرا لمساسها بتعاليم الدين الإسلامي. فريق الممانعة وأدانت حركة التوحيد والإصلاح -وهي حركة إسلامية حليفة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض- في بيان أصدرته السبت الماضي (24 سبتمبر/أيلول)، ما أقدمت عليه الحكومة المغربية بشأن رفع التحفظات، معتبرة أن المقتضيات الواردة في المادة 16 "تتعارض مع أحكام الإسلام وتتناقض مع أحكام الدستور"، وستفسح "المجال لتغيير أحكام شرعية قطعية تتعلق بالأسرة والإرث". وبدورها تساءلت رئيسة منظمة تجديد الوعي النسائي عزيزة البقالي -في حديث للجزيرة نت- "لماذا تم تمرير هذا القرار المصيري من قبل الحكومة في إطار رسالة سرية إلى الأممالمتحدة، وفي وقت حساس يعيش فيه المغرب فترة انتقالية تؤسس لمرحلة جديدة نأمل أن تكون أكثر ديمقراطية؟". وقالت إن هناك جهات في المجتمع المغربي مستاءة من أن تكون مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) ما زالت تحتكم إلى الشريعة الإسلامية، وإن هذه الجهات لها المصلحة في الحسم السريع لبعض القضايا الخلافية لصالح الطرح العلماني. وأكدت عزيزة البقالي أن القوى الحية بالمغرب والغيورة على دينها "لن تظل مكتوفة الأيدي أمام التداعيات التي يمكن أن تترتب عن هذه الخطوة"، وهي إشارة إلى احتمال نشوب معركة جديدة بين الإسلاميين والحركات النسائية اليسارية الداعية إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل. هذه المعركة تحدث عنها بكل صراحة عضو لجنة العدل والتشريع عن كتلة العدالة والتنمية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) محمد بن عبد الصادق على الموقع الإلكتروني للحزب، قائلا إن رفع التحفظات على المادتين التاسعة والسادسة عشرة من طرف الحكومة سيدشن "معركة حامية الوطيس" خلال الأيام المقبلة ما لم تتراجع عن فعلتها أو تقدم تفسيرا وتوضيحا لما قامت به. تأييد لموقف الحكومة وفي رأي مخالف للاتجاه الإسلامي، أشارت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري مشارك في الحكومة) لطيفة جبابدي، في تصريحات صحفية إلى وجود ما سمتها قوى دينية محافظة تحاول الالتفاف على المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية خلال العقود الأخيرة وتريد الآن أن تنتعش على حساب الربيع العربي. ص المجلس العلمي الأعلى، وكل إجراء مخالف لصلاحياته فهو غير دستوري. يذكر أن المغرب سبق له أن تحفظ على المادة السادسة عشرة "وخصوصا ما يتعلق منها بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه"، واعتبر أن مساواة من هذا القبيل تعتبر "منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات في إطار من التوازن والتكامل".