في أغلب الأحيان نتعرض لأنواع مختلفة من الحيل ومحاولات التأثير في المتاجر، فثمة حيل خاصة بتصميم المتاجر والأسواق تدفعنا لشراء الغذاء الصحي دون أن ندرك ذلك، كما تقول الكاتبة فيرونيك غرين وود. يمكن القول إنه في كل مرة تدخل فيها متجرا ما، تصبح عرضة للكثير من الضغوط ومحاولات التأثير. فتصميم المكان نفسه يلعب دورا في ذلك، إذ توضع السلع الرئيسية التي يذهب المرء إلى المتجر خصيصا لشرائها، مثل البيض والحليب والخبز، في أبعد مكان بالمتجر، وذلك ليجد في طريقه صفوفا تغص بالمقبلات والوجبات الخفيفة من الفواكه مثلا، أو بتلك المقرمشات الجديدة الرائعة، أو بأنواع من الأجبان. لكن هذا ليس كل شيء. فأطفالك يشكلون هدفا بدورهم لمثل هذه الحيل: فكل منتجات حبوب الإفطار الموضوعة على مستوى نظر الطفل الجالس في عربة التسوق، مغمورة بالملصقات التي تحمل رسوما كرتونية من تلك التي يعشقها الأطفال، وذلك في محاولة مُثلى لإغرائهم للتعلق بها. لكن هل يمكن استغلالنا والتلاعب بعقولنا من أجل تحقيق صالحنا؟ بالنسبة لمعظم الشركات العاملة في إنتاج الأغذية، ليس هناك سبب يذكر لديها لصرف انتباهنا عن منتجاتها عالية الدهون والسكريات وحلوة الطعم على نحو مفرط في الوقت نفسه. ولكن، بالنظر إلى أننا نخضع للتأثير ونتعرض له في كل الأحوال، من الممكن أن يراودنا تساؤل عما إذا كانت المتاجر ومراكز التسوق يمكن أن تدرك في يوم ما الفوائد الكامنة في دفع مرتاديها لتغيير سلوكهم الشرائي للإقبال على منتجات صحية بشكل أكبر، إلى حد قد يجعل القسم الخاص ببيع الخضروات والفواكه بين جنباتها، أشبه ببلاد العجائب التي يصرخ فيها الأطفال حبا في تناول اللفت! بطبيعة الحال، قد يحدث ذلك من قبل أصحاب المتاجر مدفوعين ربما بالإعفاءات الضريبية، التي تُقدم لتحفيز الأنشطة التي تسهم في تحسين مستوى الصحة العامة. ولكن حتى في ظل أوضاع المتاجر الحالية، فلا يصعب دفع مرتاديها للمضي قدما في الاتجاه الصحيح، على الأقل على المدى القصير. في هذا السياق، تشير إستر بابيس، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة أوتريخت الهولندية، إلى أن توزيع منشورات دعائية لوصفات غذائية عند مداخل المتاجر، تحوي كلمات وعبارات مثل "صحي" و"منخفض السعرات الحرارية"، يؤدي إلى أن يشتري من يعانون من زيادة الوزن أو من يتبعون حمية غذائية وجبات خفيفة بكميات أقل وذلك على نحو لا شعوري. وتشير التقديرات إلى أن حجم مشتروات هؤلاء من المقبلات أو الوجبات الخفيفة يقل بنسبة هائلة، تصل إلى 75 في المئة، مقارنة بنظرائهم الذين يحصلون على منشورات دعائية لا تحتوي على تعبيرات ذات صلة بسبل الحفاظ على الصحة العامة. وتشير بابيس إلى أن ذلك يعني أن التعرض لمثل هذه العبارات والمصطلحات يؤدي إلى تنشيط وتعزيز الأهداف القائمة بالفعل لدى من يقرأها، وتذكرهم بما يمكن لهم فعله في الحال لتحقيق هذه الأهداف، دون أن يلاحظوا ذلك. حيل أخرى في هذا الشأن، اقترحها برايان وانسينك، وهو أستاذ لعلم سلوك المستهلك في جامعة كورنيل، وهو معروف بأبحاثه في ما يُعرف ب"علم نفس تناول الطعام". ففي سياق دراسات أجراها وانسينك مؤخرا، خلص إلى نتيجة أولية تفيد بأن المستهلكين يزيدون من نصيب الفواكه والخضروات الداخلة في حجم استهلاكهم من الطعام بنسبة 24 في المئة، إذا قيل لهم إنه يتعين عليهم جعل نصف وجبة العشاء الخاصة بهم مكونة من هذين الصنفين، وهو ما ينعكس بالتالي على طبيعة مشترواتهم من المتاجر والأسواق المركزية. ووجد وانسينك أن تقسيم عربة التسوق التي يستعملها المتسوق داخل متاجر البقالة إلى قسمين، يخصص أحدهما للفواكه والخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان فقط، من شأنه دفع المتسوقين إلى زيادة إنفاقهم على الفواكه والخضراوات، بنحو أكثر من الضعف، مقارنة بهؤلاء الذين لم يُقدموا على تقسيم عربات التسوق الخاصة بهم. وبلغة الأرقام، كشفت الدراسة عن أن الفريق الأول بلغ حجم إنفاقه على شراء الفواكه 365 دولارا مقابل 182 دولارا أنفقها الفريق الثاني. أما في ما يتعلق بالخضروات، فبلغ حجم إنفاق الفريق الأول 519 دولارا مقابل 217 دولارا أنفقها الفريق الثاني. الفكرة هنا تكمن في أن تقسيم عربة التسوق يشير إلى وجود نمط اجتماعي يسعى المستهلكون إلى مواكبته والالتزام به.