إن عبارتي" حكومة صاحب الجلالة" و"معارضة صاحب الجلالة" ليست وليدة الفكر السياسي المغربي البتة بل هي بريطانية الأصل وكانت تستعمل فقط من طرف الحكومة الإمبراطورية في لندن ومع توسع الإمبراطورية وانشاء حلف الكومنولث استمر في استعمال العبارة كل وفق السياق السياسي والجغرافي لهذه الدول غير ان اليوم لم يعد ذلك الاستعمال إلا من قبيل شكليات رسمية لا غير . ولكن الأمر مخالف في المغرب لكل تلك السياقات السياسية والجغرافية والتاريخية بالمناسبة، وهذا ما اثار فضولي للبحث عن هذه العبارة في القانون الأسمى للبلاد ولم أجد لها أثرا، ولكنها متداولة بشكل كبير بين النخب السياسية خاصة المقربة من المخزن. وعلى اي ليس استعمالا يكرس المفهوم المتداول في التربة التي نشأ فيها(انجلترا ) غير ان استعماله في المغرب تجاوز الأصل ليصير عبارة مغربية محضة لدلالات تفهم وفق الموقف وصاحبه ووفق السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولربما هذا الاستعمال بالمرة ليس بريئا بقدر ما يوحي الى ما يوحي اليه من إشارات تعني أن لا شيء ممكن بدون الضوء الأخضر للملك واننا حكومة ومعارضة يرفع علينا القلم ولسنا إلا حكومة ومعارضة صاحب الجلالة ،( ناقصي الإرادة ؟ ) وهذا ما قد يفتح الباب على ي كل الاحتمالات وكل مقدرات الفهم وفرضيات الاستخدام لهذه العبارة ، إما للتبخيس أو الحماية او التحلل من المسؤولية او التنمر وما الى ذلك من أوجه الاستعمال ، ولكن رغم كل ذلك فإن هذا الأمر مفروغ منه بمجرد قراءة الباب الثالث من الدستور المتعلق بالملكية . فبالرجوع لهذا الباب نجد أن الملك هو مفتاح كل فعل سياسي وبرلماني وقضائي وعسكري وديبلوماسي وديني بالمغرب وبدونه لا يمكن للحكومة ولا للبرلمان ولا لأية جهة أن تقوم بمبادرة دون موافقة المؤسسة الملكية .لن أكون قد اضفت شيئا لأن بمجد قراءة الباب الثالث من الدستور سوف يتضح ذلك . دون الاختباء وراء مبررات واهية مثل اعتبار الحكومة حكومة صاحب الجلالة والمعارضة معارضة صاحب الجلالة إلا ان هذا لا يمنع كل من الحكومة والمعارضة التحرك لو ضمن الهامش الضيق من الاختصاص لتحمل مسؤولياتها الدستورية والقيام بدورها السياسي كما يجب، خاصة لما ترى أن المؤسسة الملكية تقوم بخطوات للتشبث يحبل الديموقراطية وكل ممارساتها وخطاباتها تدل على ذلك غير ان النخب السياسية التي تشكل الأغلبية الحكومية ولا التي تصطف في المعارضة لا تساير في غالب الأحيان السرعة الملكية ربما لأنها تفتقد الى آليات بشرية ومادية وتقنية أو انها لا تريد مسايرة التطور الديموقراطي فتفضل لعب دور المكابح لسرعة التطور نحو الديموقراطية للحفاظ على مصالحها. . والدليل على ذلك أن النخب التي تتداول العمل الحكومي لحكومات صاحب الجلالة وكذا عمل المعارضة لمعارضات صاحب الجلالة لا تستعمل المصطلح او العبارة التي تنسب الحكومة او المعارضة لصاحب الجلالة إلا في مواقف سياسية يشتد فيها الخناق والصراع حول مسألة من صميم العمل الحكومي او المعارض ليتم استعمال هذا التوصيف كما لو تعلق بالدرع الواقي او نوعا من الهروب من المسؤولية من الطرف الذي يلجأ اليه(اي استعمال عبارة حكومة او معارضة صاحب الجلالة) . وهذا الاستعمال التعسفي لهذه العبارة دليل خبث بعض النخب التي تلجأ الى هذا التعبير ، مما يخلط الأوراق ولا تتضح ولا تتحدد المسؤولية بشكل جلي ويكتمل العمل كل وفق اختصاصه المسطر ببنود الدستور، ولكن النخب السياسية بالمغرب فضلت أن تسلك السبل الملتوية حتى لا تترك أثرا للمحاسبة وفي نفس الوقت لها مآرب أخرى لا نعلمها ، لأن من يعمل في الظلام لا يمكن فهم مقاصده ابتداء من خطابه الإعلامي – السياسي الذي قد يضمر العديد من التأويلات خاصة وأن العمل السياسي ليس إلا رزمة من الرموز والتأويلات الى جانب صريح العبارة في الخطاب والإشارة والسلوك والمكان والزمان والسياق وما الى ذلك من القراءات التي تمنح للمحللين معطيات ومؤشرات لتزكية وجهة نظرهم ودعم منطقها وتوجهاتها وتوجيهها. . غير ان النقاش غير السياسي الدائر بين الحكومة والمعارضة او بالأحرى التسابق والتباهي او الاختباء وراء الانتساب للملكية ، اراه غير ذي موضوع. لماذا؟ لأن الأمر مفروغ منه بأن الفعل السياسي المغربي لا يمكن أن يمر دون دعم ومبارك ملكية ، ضمن "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديموقراطية برلمانية واجتماعية . يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية والاختيار الديموقراطي. التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة."(الفصل الأول من الباب الأول من الأحكام العامة للدستور المغربي لسنة 2011) وهذا اختيار سياسي بين كل الفاعلين في الحقل السياسي المغربي وخاصة الذين قبلوا باللعبة السياسية كما تم ترسيمها وكما تمت فيها تبادل الأدوار بين الأغلبيات والمعارضات ، التي لعبت فيها يد التزوير والتدخل على مستويات مختلفة في خلق الأحزاب التي سميت" إدارية وكوكوكت مينوت" والتي اصطفت في اليسار ويسار اليسار والوسط والتي لا موقع لها سوى حيث المصلحة المكشوفة لأن الساحة السياسية منذ زمن بعيد لم تترك للتفاعل السياسي الطبيعي بل تم توجيهها وفق منظور من يملك السلطة والمال والجاه للاستمرار فيها دون فسح المجال لباقي الفاعلين السياسيين والنقابيين الوطنيين الذين يسقون الوطن بجهدهم وبدمهم للمساهمة في تنمية البلاد وفق منظورهم مما يساهم في خلق تراكمات سياسية كانت تكون عونا ليومنا هذا حتى لا نكون في وضعنا الذي يبدأ من تحت الصفر . تلك الساحة السياسية "المخدومة "أفرزت عدة تحالفات وترابطات فيها ما لا يجمعهم من مبادئ وأفكار سوى الكرسي الحكومي او البرلماني او كرسي في جهة ما دبلوماسية او مؤسسة عمومية او جامعة أو ... المهم لن يكون التحالف مهما كان مكانه ولا اتجاهه غير مجزى في هذه الخريطة السياسية التي فيها الملك هو المحور الأساس لكي تدور العجلة عجلة النظام في كل جوانبه . . المسألة في كل هذا ليست في انتساب الحكومة او المعارضة للملك بقدر ما ان النقاش السياسي نزل لمستوى الحضيض ، وأصبح الجهاز الحكومي ومكوناته الحزبية والمعارضة وفرقها كالغرقى في كأس ،فلا هم قادرون على بلورة نقاش سياسي واقتصادي واجتماعي للدخول السياسي،(الذي بالمناسبة ليس دخولا بل خروجا سياسيا لأن لا الحكومة ولا المعارضة لها توصيف دقيق لحل مشاكل المغرب ولا أقول أدوات وأليات وذهنيات حلها ، و لا هي قادرة على خلق نقاش سياسي حول مشاريع اقتصادية واجتماعية وتوجهات استراتيجية لمواجهات تحديات القرن من بطالة وارهاب وندرة المياه وحقوق الإنسان وحرية التعبير وتحرير سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وتصفية ملف الصحراء المغرية وجعلها قطبا استراتيجيا للاستقطاب الاستثمارات، وقاعدة لنواة اقتصادية للمجتمع المغربي الصحراوي ) ويبقى الملك هو ومحيطه المحرك للفعل السياسي والاقتصادي بالمغرب والضابط للحقل الاجتماعي والديني ، وتظل الحكومة عبارة عن جهاز إداري يتلقى التعليمات والأوامر ورغم ذلك فالتنفيذ ليس دائما على الوجه الصحيح مما يحدث خللا كبيرا في التوازنات المالية والاقتصادية وفي ايجاد الحلول المناسبة والجذرية للمشاكل التي تزيد يوما عن يوما في تعميق الهوة بين افراد الشعب ومدنه وقراه في كل المجالات . كما أن المعارضة التي اصبحت معارضات تفكك كل مجهودها التاريخي ليصير مع السنوات العجاف سياسيا ونخبويا عبارة عن دكاكين لا تبيع سوى الوهم ولا تؤطر سوى الفقاعات ، لأن الساحة السياسية افرغت من محتواها الفعلي وتم جمع الشتات وتقديم كل من جاء ليصنع منه دمية سياسية لا تسلي احدا .لأن بتعاقب الحكومات والمعارضات في المستوى المعروف من بنيات هشة وتأطير منعدم وتجديد القيادات على المقاس العمري وبالتصفيق ولم لا التعيين، من هذا المنتوج السياسي الرديء كيف لنا ان نطمح لبناء مغرب الغد؟ والغد يصنع بالتاريخ والحاضر والمستقبل فلا تاريخ سياسي لنا فيه ما يمكن وضعه كقدوة ولا حاضر تشع منه الحقيقة وبالتالي فلا غد يمكن الحلم به لنكون في مصاف الدول الديموقراطية . إن بلادنا في حاجة الى ثورة فكرية وثقافية ودينية وسياسية واقتصادية واجتماعية لمراجعة العديد من المفاهيم التي مازالت عالقة في اذهاننا وهي السبب في تخلف فكرنا وتأخر عقولنا ، ولنبدأ بالتعليم لنجعله يساير العصر الحديث ويتطابق مع واقعنا اليومي وشخصيتنا المغربية بكل اختلافاتها الأثنية واللغوية والجهوية . فهل يمكن الرفع من مستوى النقاش السياسي بين نخب المغرب وفتح اوراش من خلالها يظهر الغث من السمين ؟فلنركز على التربية في كل ابعادها الخلقية والسياسية والثقافية والاجتماعية وعلى الطفل، مواطن الغد ،والمرأة نصف المجتمع، والشباب 60 في المائة من الساكنة المغربية ، كل ذلك من العوامل المحفزة لبنية سياسية واقتصادية متينة يمكنها أن تدفع نحو التنمية بشكل جدي لو توفرت الإرادات وتلاحمت حول مغرب تشاركي تتقاسم فيه الثروة المادية وغير المادية في اطار ديموقراطي لا يقصي أحدا .فلا حاجة الى التستر وراء مكانة الملك في الهرم السياسي المغربي وفي المتخيل الشعبي والمعتقد الديني لأمارة المؤمنين ، لتقوم النخب السياسية بممارسة لعبة التخفي وراء تعابير ومصطلحات غير واضحة المعالم وغير مضبوطة قانونيا وتحميلها ما لا تحتمل . أليست السياسة اخلاق ومبادئ وفن نبيل ؟ فلنمارس السياسة على وجهها الأكمل أو نجانب الطريق ليتقدم من هو أجدر بالعمل السياسي النبيل والقادر لإخراجنا من هذا الوضع الذي يدور حول نفسه وغير قادر على وضع لبنة لبنية سياسية صلبة قادرة على أن تقطع بنا للقرون القادمة وتؤسس لدولة مغربية ديموقراطية .