يبدو ان “الدولة الاسلامية” التي يتزعمها السيد ابو بكر البغدادي ستجد حلفاء اقوياء يقاتلون اعداءها في الحلف الامريكي الجديد، او يفسدون مخططاتهم على الاقل، ليس حبا فيها، وانما كراهية لهؤلاء الاعداء، وخوفا من مخططاتهم بعيدة الاجل التي قد تأكلهم بعد ان تلتهم “ثور” “الدولة الاسلامية” الناصع البياض. هناك عدة مؤشرات بدأت تطفو على السطح، جاءت اسرع مما توقعنا، وتؤكد ان هذا التحالف الامريكي الدولي الاقليمي ولد ضعيفا، مليئا بالعيوب الخلقية، الامر الذي قد يجعل من مهمته التي تأسس من اجلها صعبة، بل ربما مستحيلة، وقد تعطي نتائج عكسية تماما، ليس من حيث عدم القضاء على “الدولة الاسلامية” وانما ايضا زيادة احتمالات اغراق المنطقة في حرب استنزاف اقليمية ربما تتطور الى حرب عالمية. ***
ويمكن ايجاز هذه المؤشرات في النقاط التالية: *اولا: التصريحات التي ادلت بها الدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري لقناة “الميادين” وثم لقناة “سي ان ان” الامريكية ووصفت فيها اي غارات تشنها الطائرات الامريكية داخل الاراضي السورية هو “عدوان سافر” وعدم استبعادها في الوقت نفسه قيام القوات السورية باسقاط هذه المقاتلات حال قيامها بقصف مواقع ل”الدولة الاسلامية”. *ثانيا: تشكيك الرئيس الايراني حسن روحاني في احتمالات نجاح التحالف الدولي الامريكي في القضاء على “الارهاب” في المنطقة لان مواجهته يحتاج الى تخطيط منظم وتعاون ثنائي متعدد الاطراف ومكافحة الفقر االثقافي والاقتصادي، اما العميد مسعود جزائري نائب القائد العام لهيئة الاركان المسلحة الايرانية فقال ان “ايران تريد محاربة داعش بينما الولاياتالمتحدة هي من اوجدت هذا التنظيم”. *ثالثا: اتفاق روسيا والصين على تشكيل جبهة موحدة في مجلس الامن الدولي لمنع صدور اي قرار يضفي الشرعية على توجيه اي ضربات امريكية جوية داخل الاراضي السورية، واعلان البلدين الصريح والواضح “معارضة هذه الضربات طالما لا تتم بموافقة المنظمة الدولية”، وكيف ستأتي هذه الموافقة في ظل “الفيتو” الروسي الصيني المزدوج! *رابعا: بروز تيارات عراقية تهاجم التحالف الامريكي الجديد والدول الاقليمية المنضوية تحته، فبعد الانتقادات الشديدة التي وجهها السيد مقتدى الصدر لهذا التحالف، ومطالبته الدولة العراقية بعدم التعاون معه تضامنا مع ايران وسورية، وتبنيا لموقفهما، خرج علينا بالامس السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الجديد والعضو الاهم بعد امريكا، بتصريحات يتهم فيها دولا اعضاء في التحالف الجديد بأنها هي التي مولت وسلحت الجماعات الارهابية في سورية والعراق، في اشارة الى دول الخليج وتركيا، ومطالبته بتجريمها ومحاسبتها دوليا. صحيح ان معظم ردود الفعل الغاضبة هذه لا تنطلق من منطلق العداء لامريكا والدول الاقليمية المنضوية تحت خيمة تحالفها العسكري الجديد، وانما بسبب استبعادها من التحالف كليا، خاصة ان كل من ايران وسورية الاعلى صوتا رحبتا به، واعربتا عن استعدادهما للمشاركة فيه، ولكن التهوين، او التقليل، من اهمية هذا الغضب يعكس قراءة خاطئة لقدرات هذا التحالف الموازي الذي يتبلور بسرعة، التي يمكن ان تفسد كل مخططات الولاياتالمتحدة وحلفائها وبما يخدم “الدولة الاسلامية” وتمددها في نهاية المطاف. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول الكيفية التي ستتمكن من خلالها السلطات السورية اسقاط الطائرات الامريكية التي ستنتهك اجواءها، وبمعنى آخر هل تملك هذه السلطات الصواريخ والمضادات الارضية، والرادارات المتقدمة التي تؤهلها لاسقاط هذه الطائرات؟ نطرح هذا السؤال لان طائرات اسرائيلية نفذت ضربات جوية اكثر من مرة في العمق السوري ولم تتمكن الطائرات او الصواريخ السورية من اسقاطها لانها قديمة وغير متطورة، ثم ان اسقاط الطائرات الامريكية في حال حدوثه قد يشعل فتيل حرب امريكية شاملة ضد النظام السوري، فما هو موقف روسيا والصين وايران في هذه الحالة؟ *** قبل عام حشدت القوتان العظميان في العالم، اي امريكاوروسيا بوارجهما البحرية في مواجهة الشواطيء السورية، ولم يمنع انفجار الحرب الا تفاهم بين القوتين على نزع الاسلحة الكيماوية السورية، ولا نستبعد ان يتكرر السيناريو نفسه اذا ما تحرشت الطائرات السورية او اسقطت طائرة امريكية مقاتلة، ولا نستبعد ايضا ان يكون الاصرار الامريكي على عدم التنسيق مع النظام السوري في اي ضربات جوية داخل اراضي من منطلق خلق الذرائع لجر النظام السوري الى الحرب تمهيدا لاسقاطه. لا نعرف كيف سيكون موقف روسياوايران الحليفان الداعمان للنظام السوري في هذه الحالة، فهل ستتراجع موسكو عن قرارها بعدم تزويد النظام السوري بصواريخ مضادة للطائرات من طراز “اس 300″ المتطورة جدا والضرورية للتصدي للطائرات الامريكية، وما هو رد فعل واشنطن في هذه الحالة؟ الحرب الباردة بين موسكووواشنطن على ارضية الخلاف حول المسألة الاوكرانية بلغت ذروتها، واظهرت تصميما روسيا على المضي فيها حتى نهايتها، فالرئيس الروسي فلاديمير انتصر حتى الآن في هذه الحرب، وفرض سياسة الامر الواقع على خصمه الامريكي من خلال ضم شبه جزيرة القرم، واستيلاء حلفائه الاوكرانيين على ثلث الاراضي في شرق اوكرانيا، قهل تنتقل هذه الحرب الباردة الى منطقة الشرق الاوسط وتتحول الى ساخنة؟ وهل ستحاول واشنطن الانتقام لهزيمتها في أوكرانيا بحرب ضد الروس وحلفائهم في الشرق الاوسط؟ ما زال من المبكر الذهاب بعيدا في هذا السيناريو واعطاء اجابات حاسمة، ولكن ما يمكن التنبؤ به ان “الدولة الاسلامية” تجد حلفاء قد يقاتلون لصالحها من حيث لا تحتسب، وقد تكون الآية القرآنية المفضلة للسيد البغدادي وانصاره طوال الفترة القادمة “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” صدق الله العظيم.