أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدري رضي اللّه عنه قال: سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ”مَن صام يومًا في سبيل اللّه بعد اللّه وجهه عن النّار سبعين خريفًا”. وردت عدّة آيات في القرآن الكريم في فضل الصّيام ودرجة الصّائم عند اللّه تعالى، كقوله تعالى: {..وَالصّائِمِينَ وَالصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذّاكِرِينَ اللّه كَثِيرًا وَالذّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللّه لَهُم مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب:35، وقال تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:184. وورد في فضل صوم التطوع أحاديث كثيرة، منها: حديث سهل رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”إنّ في الجنّة بابًا يقال له الرَّيَّان، يدخُل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يَدخُل منه أحد غيرهم. فيُقال: أين الصّائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغْلِق، فلم يدخُل منه أحدٌ” متفق عليه. قال اللّه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ”كلّ عَمَلِ ابْنِ آدَم لَهُ إِلّا الصّوْمَ فَإِنّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي” أخرجه مسلم. وقال سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”الصّيام جُنّةٌ يسْتَجَنُّ بها العبد من النّار”، وعن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال: يا رسول اللّه! دُلَّنِي على عمل أدخل به الجنّة، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: ”عليك بالصّوم، لا مثل له” أخرجه النّسائي. وعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ”مَن صام يومًا في سبيل اللّه بَاعَدَ اللّه تعالى وجهه عن النّار سبعين خريفًا” رواه البخاري ومسلم. قال الإمام القرطبي رحمه اللّه تعالى: [سبيل اللّه طاعة اللّه، فالمراد مَن صام قاصدًا وجه اللّه]. فقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ”سبعين خريفًا” الخريف زمان معلوم من السنة، والمراد به هنا العام، وتخصيص الخريف بالذِّكر دون بقية الفصول، لأنّ الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى فيه الثّمار. ونقل الفاكهاني أنّ الخريف يجتمع فيه الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة دون غيره. وقال الإمام القرطبي: [ورد ذكر السبعين لإرادة التّكثير كثيرًا]. ويؤيّده أنّ النّسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن عامر الطبراني عن عمرو بن عبسة وأبو يعلى عن معاذ بن أنس فقالوا جميعًا في رواياتهم: ”مائة عام”. وصوم التطوع أنواع، منها: -صيام يوم وفطر يوم: عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ”إِنّ أَحَبّ الصِّيَامِ إِلَى اللّه صِيَامُ دَاوُدَ وَأَحَبّ الصّلَاةِ إِلَى اللّه صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السّلَام كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا” متفق عليه. -صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: ”أَوْصَانِي خَلِيلِي صلّى اللّه عليه وسلّم بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ” متفق عليه. -صيام التسعة الأولى من ذي الحجة وآخرها يوم عرفة: عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”مَا مِنْ أَيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فِيهَا أَحَبّ إِلَى اللّه مِنْ هَذِهِ الْأَيّامِ، يعني أَيّامَ الْعَشْرِ، قالوا يا رسول اللّه ولا الجهادُ في سبيل اللّه؟ قال: ”ولا الجهاد في سبيل اللّه إلّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ” رواه أبو داود. -صيام يوم عرفة: عن أبي قتادة رضي اللّه عنه قال: سُئِلَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صوم يوم عرفة، فقال: ”يُكَفِّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ” رواه مسلم. -صيام التاسع والعاشر من محرّم: عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسُئِلَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صوم يوم عاشوراء، فقال: ”يُكَفِّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ” رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ” رواه مسلم. -صيام الاثنين والخميس: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ”تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” رواه الترمذي وقال حديث حسن. فانْظُر رحمك اللّه كم من الثّواب العظيم في صيام يوم واحد في سبيل اللّه؟ يوم واحد يُباعدك عن النّار سبعين سنة، وفي أحاديث أخرى ”مائة عام”، وهو جَنّة يستجن بها الإنسان من النّار.. فكيف بمَن يصوم كل اثنين وخميس؟ وكيف بمَن يصوم الأيّام البيض؟ وكيف بمَن يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ إنّه ثواب لا يدركه إلّا مَن ذاق حلاوة هذه العبادة.