تستعد الدولة ممثلة في مجموعة من القطاعات على رأسها المندوبية السامية للتخطيط و وزارة الداخلية، لتنظيم الإحصاء العام للسكان و السكنى، و هو عملية ضرورية تقوم بها كل الدول لتوفير معطيات قادرة على تشخيص الحالة المجتمعية العامة للسكان و من خلال ذلك التخطيط الافضل للرقي بمستقبل هذه الساكنة و خصوصا توفير البنى التحتية و الفوقية لتقديم الخدمات الضرورية لهذه الساكنة لتقوم بالدور المنوط بها في احسن الظروف، و للقيام بعملية الإحصاء العام للسكان و السكنى بالمغرب برسم السنة الجارية 2014 قامت المندوبية بفتح باب الترشيح للراغبين في المشاركة في هذه العملية من طلبة و موظفين، بغية توفير بنية بشرية كافية للقيام لأدوار مختلفة، و في هذا الإطار قدم عدد كبير من الراغبين في المشاركة ملفاتهم و اختير من بينهم بناء على معايير لم يتم التصريح بها عدد منهم. ما سبق ذكره إلى حدود السطر السابق يظل شيئا عاديا في إطار القيام بعملية تقنية بعيدا عن أي مساومة سياسية، لكن الذي فتح الباب للسجال السياسي و ردود الفعل و الاتهامات المتبادلة هو طرد مجموعة من الأشخاص الذين تم استدعاؤهم كتابيا و رسميا في وقت سابق للمشاركة في التكوين الذي سيؤهلهم للمشاركة في عملية الإحصاء، هذا الطرد جاء عن طريق مكالمات هاتفية للمعنيين بالأمر تطلب منهم عدم التوجه لمراكز التكوين دون ان تبدي اسابابا لذلك، و دون ان توجه امرا كتابيا لهم في الموضوع، و هناك من تم طردهم من اقسام التكوين بعد قضائهم لليوم الاول، و كان مبرر الطرد للجميع هو التعليمات الفوقية. حينما بحثت شخصيا عن القاسم المشترك بين المطرودين و قبل أن تعلن أي جهة عن الامر رسميا، و جدت انهم جميعا ينتمون لجماعة العدل و الإحسان، باستثناء واحد ملتح أيضا لكنه لا ينتمي للجماعة، ثم بعد وقت قصير أصدر مكتب الجماعة بمدينة آسفي بيانا استنكاريا بالموضوع ثم توالت تصريحات أعضاء من الجماعة و منهم قيادات تستنكر الأمر و تتهم الدولة بحرمان اعضائها من ممارسة مواطنتهم الكاملة اسوة بجميع المواطنين. من بين التصريحات التي وقفت عليها عند بعض قيادي الجماعة ما اعتبروها أسبابا رئيسية من قبل السلطات لمنع أعضائها من المشاركة في عملية الإحصاء، هي نية السلطات التلاعب بنتائج هذا الإحصاء، حسب ما أكده أحد قياديي الجماعة احرشان الذي اعتبر أيضا أمر الإقصاء مؤشرا خطيرا على نية سيئة لدى القائمين على هذا الإحصاء وخوفهم من شفافية المعلومات، مضيفا على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن فتح الباب أمام أعضاء العدل والإحسان "سيوفر لهم بوابة للتعرف على حقيقة المغرب في بعده الميكروسكوبي الذي تعمل الجهات المعنية على التغطية عليه وتجميله بالمقاربات الماكرو، من خلال الحديث عن مؤشرات وأرقام ونسب مئوية ومشاريع ضخمة وأوراش كبرى"، على حد تعبير عمر إحرشان، الذي أوضح أن الإحصاء في كل العالم عملية "تقنية بعيدة عن الحسابات السياسية، لأنها بالأساس عملية وطنية منزهة عن هذه الاصطفافات السياسية والحسابات الحزبية. من خلال كل المعطيات التي سبق أن اوردتها بين المنع و رد الفعل، نجد اولا أن لا مبرر منطقي لمنع أعضاء الجماعة من المشاركة في عملية الإحصاء خاصة بعد استدعاء عدد منهم للعملية، مما يعني أنهم يتوفرون على الكفاءات المطلوبة، و التي لم يعلن عنها، و خاصة بالطريقة التي تمت، أي الإتصال الهاتفي او الطرد الميداني في غياب أي توضيح كتابي رسمي او اعتذار سوى كلمة " التعليمات الفوقية" التي يروج المسؤولون على البلاد ان الزمن قد اعفى عنها. ثانيا أسجل عدم تحرك النواب و الجمعيات و المنظمات و الهيئات المختلفة لمساءلة الدولة عن سبب منع مواطنين شفهيا من القيام بعملية استدعوا لأجلها كتابيا. ثالثا أود ايضا أن اسجل عدم حكمة أغلب قياديي الجماعة الذين ادلوا بتصريحهم ، إذ بدل ان يركزوا على فضح الانتهاكات التي طالت أعضاءهم و التركيز على خصومتها مع الدولة، أشركت دون وعي منها الشعب في التهم و الإدانة، إذ ان التصريحات عبرت عن نية الدولة تزوير نتائج الإحصاء ما دام ليس هناك أعضاؤها الذين من شانهم ان يفضحوا أي تلاعب، و كأن العدد الكبير من طلبة المغرب و رجال تعليمه و بقية الموظفين مجرد كراكيز تتحكم فيها الدولة كيفما شاءت و ليس لديهم مانع في المساهمة في هذا التزوير، و هو الامر الذي الغير وارد فنسبة وعي المغاربة قد تحسنت و لعل خير دليل تصريحات المشاركين في العمليات الانتخابية الماضية الذين فضحوا حالات تزوير و شراء الأصوات و غيرها من التجاوزات. إن العدل و الإحسان لاشك لم يكن في نيتها ان تتهم بقية المشاركين، و هذا ما نحسبه فيها و ما ليست في حاجة إليه، إلا ان جماعة بحجمها وجب ان تحسن التفاعل مع القضايا الطارئة و لا تنساق خلف ردود الفعل المتسرعة.