برز خلال الايام الماضية شرخ جديد في صفوف المعارضة السورية المسلحة مع اعلان "جبهة النصرة" نيتها انشاء "امارتها الاسلامية" الخاصة بعد "الخلافة" التي اعلنتها "الدولة الاسلامية" في حزيران/يونيو، ما تسبب بتوترات ومواجهات بين الفصائل المقاتلة ضد النظام. وتحاول "النصرة"، على غرار "الدولة الاسلامية في العراق والشام" سابقا، توسيع مناطق سيطرتها في شمال سوريا، ما تسبب للمرة الاولى بمواجهات مسلحة مع كتائب مقاتلة ضمن المعارضة المسلحة كانت تقاتل قوات النظام الى جانبها.
وتزيد هذه الظاهرة من تعقيدات النزاع الذي بدأ قبل اكثر من ثلاث سنوات: اذ سيكون مقاتلو المعارضة، في حال لم يتمكنوا من وضع حد لطموحات "جبهة النصرة"، على خط تماس مع كل من القوات النظامية و"الدولة الاسلامية". تضاف الى هذه الجبهات جبهة "الدولة الاسلامية" ضد النظام التي بدأت تشهد تصعيدا الخميس، وجبهة "الدولة الاسلامية" ضد الاكراد الراغبين بالاستقلالية في مناطقهم.
في 11 تموز/يوليو، اعلن زعيم "جبهة النصرة" ابومحمد الجولاني في تسجيل صوتي تم تناقله على الانترنت متوجها الى انصاره "حان الوقت ايها الاحبة لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات على ارض الشام، واكثر من اربعين سنة من جهاد لتنظيم القاعدة في بلاد الارض شتى".
واضاف "آن الآوان أيها الاحبة، لنقيم مصر ترصد بصمات استخبارية دولية وراء هجوم الفرافرة الدموي، نطبق حدود الله عز وجل ونطبق شرعه بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى".
واوضح الجولاني ان هذه "الامارة" ستكون لها حدود "تمتد بطريقة واسعة، منها مع النظام ومنها مع الغلاة (في اشارة الى عناصر "الدولة الاسلامية")، ومنها مع المفسدين، ومنها مع ال'بي ك ك' (الاكراد)".
وجاء التسجيل بعد اكثر من اسبوعين على اعلان "الدولة الاسلامية" اقامة "الخلافة" انطلاقا من المناطق التي سيطرت عليها اخيرا والممتدة من شمال سوريا الى غرب العراق.
وتخوض النصرة، الى جانب فصائل اخرى مقاتلة، معارك دامية ضد "الدولة الاسلامية" في مناطق عدة من سوريا، اوقعت الاف القتلى منذ كانون الثاني/يناير.
وبعد ايام من نشر تسجيل الجولاني، اندلعت معارك بين "النصرة" التي تعتبر الذراع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، من جهة وحلفاء لها ضد النظام، بينهم "جبهة ثوار سوريا". وتسببت المعارك وعمليات الخطف بمقتل العشرات وسيطرة "جبهة النصرة" على مناطق واسعة في ريف ادلب (شمال غرب) على مقربة من الحدود مع تركيا.
واتهمت "جبهة ثوار سوريا" جبهة "النصرة" بمهاجمة "الثوار" من اجل اقامة امارتها على الارض التي يسيطرون عليها.
كما امتد التوتر بين "النصرة" وفصائل اخرى الى درعا (جنوب) وحماة (وسط) وحلب (شمال).
وعلى رغم ان جذور التنظيمين تعود الى "القاعدة"، الا ان قيادة هذه الاخيرة اعلنت قبل اشهر ان "النصرة" هي ذراعها في سوريا، داعية "الدولة الاسلامية" الى التزام العراق مسرحا لعملياتها.
وتسببت المعارك بين الجانبين باضعاف "جبهة النصرة"، بينما استولى تنظيم "الدولة" على كميات كبيرة من المال والسلاح خلال هجماته الاخيرة في العراق.
ويقول مقاتل مناهض للنصرة في ادلب يقدم نفسه باسم ابوياسمين "النصرة تمر بازمة حقيقية. ان اعلانها السعي الى اقامة امارتها محاولة لجذب جهاديين جددا الى صفوفها".
وتحظى "جبهة النصرة" اجمالا بقبول اوسع في سوريا من "الدولة الاسلامية" كون معظم عناصرها من السوريين، بينما غالبية عناصر "الدولة الاسلامية" من دول خليجية وغيرها، ولانها تلتزم حدا ادنى من الانضباط في التعامل مع المدنيين. الا ان التنظيمين يجاهران برفضهما لاي دولة علمانية وبسعيهما الى نشر "الدولة الاسلامية" المستندة الى الشريعة في العالم.
كما تحظى "جبهة النصرة" بقبول من مقاتلي المعارضة الذين وجدوا فيها سندا لهم ضد قوات النظام.
الا ان المواجهات الاخيرة دفعت بعض الفصائل الى التبرؤ منها، مثل "حركة حزم" المعتدلة المدعومة من الولاياتالمتحدة التي اعلنت "تعليق اي تعاون وتنسيق" مع النصرة.
ويقول ابوياسمين عبر الانترنت ان خطط النصرة "تتمحور حول السلطة لا حول الاسلام. نحن السوريون، لا نحتاج الى احد ليلقننا الاسلام".
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن ان تنظيم "الدولة الاسلامية" بدأ يعزز نفوذه "تماما كما تفعل النصرة حاليا. اولا يسيطرون على مناطق، ثم يعلنون الخلافة. كأن الامر يتكرر".
واشار الى انسحاب "جبهة النصرة" من محاكم وهيئات شرعية عدة كانت تشارك فيها الى جانب كتائب اخرى مقاتلة، وتسعى الى التفرد بالسيطرة.
ويقول ضابط في الجيش السوري الحر رافضا كشف هويته "النصرة بدأت تظهر وجهها الحقيقي. اهدافها ليست الحرية والديموقراطية، بل تريد السيطرة والمذهبية. ثورتنا لم تقم من اجل هذا".