قالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" إن وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي قاما باستهداف مسلمين أمريكيين في "عمليات مخادعة" لمكافحة الإرهاب بسبب هويتهم الدينية والعرقية. جاء ذلك في تقرير مشترك للمنظمة مع معهد حقوق الإنسان التابع لقسم القانون بجامعة كولومبيا، اليوم، بعنوان "وهم العدالة"، لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في محاكمات الإرهاب في الولاياتالمتحدة، والذي صدر في 214 صفحة، حول قضايا الإرهاب على المستوى الفيدرالي بدءًا من التحقيقات وحتى إصدار الأحكام، وظروف الحبس في مرحلة ما بعد الإدانة.
كما وثَّق التقرير "الثمن الإنساني الباهظ" لبعض الأعمال المتعلقة بمكافحة الإرهاب، مثل العمليات المخادعة ذات الطابع العدواني والإجراءات التقييدية غير الضرورية أثناء الحبس.
وخلصت المنظمتان إلى أن العديد من المحاكمات نجحت في استهداف أشخاص متورطين في تخطيط وتمويل هجمات إرهابية، ولكن محاكمات أخرى استهدفت أشخاصًا يبدو أنهم لم يكونوا ضالعين في مثل هذه الأعمال عندما شرعت الحكومة في التحقيق معهم، وانطوت الكثير من القضايا على انتهاكات لسلامة الإجراءات القانونية، واتسمت بظروف احتجاز مسيئة على إثر أحكام بالسجن مطولة جدًا.
اعتمد التقرير على أكثر من 215 مقابلة مع أشخاص متهمين ومدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب، وأفراد من عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية، ومحامين، وقضاة، ومدعين عامين حاليين وسابقين، ومسؤولين حكوميين، وأكاديميين، وخبراء آخرين.
وأشار التقرير إلى أنه في بعض الحالات تسبب مكتب التحقيقات الفيدرالي في صُنع إرهابيين من بين أشخاص ملتزمين بالقانون من خلال دفعهم إلى القيام بأعمال إرهابية، أو تشجيع الأشخاص المستهدفين على ارتكاب أعمال معينة، وخلصت العديد من الدراسات إلى أن قرابة 50% من إدانات الإرهاب الصادرة عن محاكم فيدرالية منذ 11 سبتمبر 2001 كانت ناتجة عن قضايا اعتمدت على مخبرين، و30% منها كانت في إطار عمليات مخادعة لعب فيها مخبرون دورًا هامًا في الكشف عن مخططاتها.
وتناول التقرير اعتراف رضوان فردوس بمحاولة تفجير مبنى اتحادي، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 17 عامًا، ورغم أن أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي قال لوالد رضوان فردوس إنه كان "من الواضح" أن ابنه يعاني من مشاكل عقلية، قام مكتب التحقيقات الفيدرالية باستهدافه في "عملية مخادعة"، وأرسل له مخبرًا إلى المسجد، وقام هذا المخبر مع رضوان فردوس بإعداد مخطط لمهاجمة البنتاجون والكونجرس، وقام مكتب التحقيقات الفيدرالية بتوفير أسلحة وهمية وموَّل سفر رضوان فردوس.
وأثناء فترة الكشف عن المخطط، راحت سلامته العقلية والبدنية تنهار، وصار يعاني من اكتئاب ونوبات اضطرت والده إلى الانقطاع عن العمل لرعايته.
وأكد التقرير أن الولاياتالمتحدة استخدمت في بعض قضايا الإرهاب إجراءات حبس قاسية ومسيئة بدت في الغالب مبالغًا فيها مقارنة بالخطر الأمني الذي كانت تشكِّله، ومنها الحبس الانفرادي لفترات طويلة، وفرض قيود شديدة على الاتصالات أثناء الاحتجاز السابق للمحاكمة، وكذلك عرقلة قدرة المشتبه فيهم على الدفاع عن أنفسهم والمشاركة في القرارات المتعلقة بالاعتراف بالذنب.
كما فرض القضاة عقوبات بالسجن لفترات مطوَّلة جدًا، وواجه بعض السجناء ظروفًا قاسية بعد الإدانة، بما في ذلك الحبس الانفرادي لفترات طويلة، وفرض قيود على اتصالهم بعائلاتهم وغيرهم من الأشخاص، دون تقديم أي تفسير أو تبرير.
من جابنها قالت آندريا براسو، نائب مدير مكتب "هيومان رايتس ووتش" في واشنطن وأحد محرري التقرير: "قيل للأمريكيين إن حكومتهم توفر لهم الأمن بمنع الإرهاب ومحاكمته في الولاياتالمتحدة، ولكن إذا دققنا النظر، سنلاحظ أنه ما كان للعديد من الأشخاص أن يرتكبوا جرائم إذا لم يلقوا تشجيعًا ودفعًا، وأحيانًا تمويلًا، من المكلفين بإنفاذ القانون".
وأضافت "براسو": "يتعيَّن على الحكومة الأمريكية الكف عن معاملة المسلمين الأمريكيين على أنهم إرهابيون في حالة انتظار، كما يتسم القانون الأمريكي بسقف إدانة عالٍ جدًا يصعب معه إثبات براءة أي مشتبه فيه بالإرهاب، كما يستهدف أعوان إنفاذ القانون الضعفاء بشكل خاص، مثل الأشخاص الذين يعانون من إعاقات فكرية وعقلية، والفقراء جدًا، وهو ما يوفر وصفة جيدة لانتهاك حقوق الإنسان".
وأشارت إلى أن السياسات التي وثقها هذا التقرير أبعد ما يكون عن أن تحمي الأمريكيين، بما في ذلك المسلمون، من خطر الإرهاب، بل هي تسببت في إبعاد اهتمام المكلفين بإنفاذ القانون عن هذا التهديد، وتابعت "يبقى من الممكن حماية حقوق الأشخاص، وفي نفس الوقت محاكمة الإرهابيين، وهو ما يزيد من فرص القبض على المجرمين الحقيقيين".