في كتابه المترجم إلى اللغة العربية سنة 1996 تحت عنوان"الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" يورد المفكر الفرنسي الراحل "روجي جاروي" نصا/ وثيقة تاريخية فريدة من نوعها ترصد مسمى "إسرائيل الكبرى" حسب منظور منظريها الصهاينة ،والتي – أي الوثيقة- مضمونها كالآتي : "إن مصر كجسد مركزي أصبح جثة هامدة؛خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الصراع الذي يزداد حدة بين المسلمين و المسيحيين. وتقسيمها إلى مقاطعات جغرافية مختلفة يجب أن يصبح هدفنا السياسي في التسعينيات على الجبهة الغربية. وبمجرد تفكيك مصر و حرمانها من السلطة المركزية، ستعرف دول مثل ليبيا و السودان، ودول أخرى نائية، نفس المصير. إن إنشاء دولة قبطية في مصر العليا و خلق كيانات جهوية ضعيفة الأهمية يعتبر مفتاحا لتطور تاريخي تأخر في الوقت الراهن، بسبب اتفاقية السلام، ولكنه آت حتما على المدى البعيد. ...ثم إن تقسيم لبنان على خمس مقاطعات يعد تجسيدا مسبقا لما سيحدث في العالم العربي برمته. كما أن تفجير سوريا و العراق إلى مناطق على أساس عرقي أو ديني، يجب أن يصبح على المدى البعيد هدفا أوليا بالنسبة لإسرائيل. و المرحلة الأولى لذلك هي تحطيم القدرة العسكرية لهذه الدول. إن البنيات العرقية لسوريا تعرضها لتفكك قد يؤدي إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل و على قيام دولة سنية في منطقة حلب و دولة أخرى في دمشق، وكيان درزي قد يتمنى تكوين دولة خاصة به – ربما فوق منطقتنا (الجولان)- وعلى كل حال مع حوران وشمال الأردن...إن مثل هذه الدولة و على المدى البعيد قد يكون ضمانة للسلم و الأمن في المنطقة. إنه هدف في متناولنا. إن العراق كدولة غنية بالبترول و عرضة لمواجهات داخلية توجد على خط التسديد الإسرائيلي ، ذلك أن تفكيكها يعتبر أكثر أهمية من تفكيك سوريا لأن العراق تمثل ، على المدى القصير ، التهديد الأكثر جدية بالنسبة لإسرائيل". (الوثيقة في أصلها مقتطفة من مجلة "كيفونيم القدس" رقم 14 عدد فبراير 1982 الصفحات 49،59). وقبل أن نفصح عن "ماورائيات" إتياننا بالوثيقة أعلاه وكذا تعليقنا عليها، نبقى مع شهادة مفكر آخر ، ودائما في اتساق مع "تيمة" الوثيقة المستهل بها. في أماكن متفرقة من كتبه ، نجد "عالم المستقبليات " المفكر المهدي المنجرة يرصد ألوان و أشكال سياسة"المؤامرة" على الدول العربية الإسلامية(وبخاصة منها التي تضمها منطقة الشرق الأوسط ) . في كتابيه "الإهانة" وكذا "انتفاضات في زمن الذلقراطية"، نلفي ما قلناه سلفا واردا فيهما، بيد أن كتابه الأخير (صدر سنة 2007) المعنون ب" قيمة القيم" نجده – في بعض الفقرات- يفصل أكثر في الموضوع المطروح (المؤامرة). ومن قبيل ذلك نجد: "...العراق كانت الدولة الوحيدة في العالم العربي التي حاربت الأمية ونجحت في ذلك...كما أن العراق وصل لدرجة من التطور التكنولوجي لم يسبق أن حققته أي دولة عربية؛ وبذلك، بدا يشكل خطرا أكيدا على الوجود الإسرائيلي ؛ إذن بالنسبة لواشنطن كان من الضروري تحطيم العراق و إدخاله في حروب داخلية تشغله وتجرده من الأسلحة؛ لكي لا يظل يشكل خطرا على إسرائيل؛ كما أنه لما وصل حزب الله إلى درجة من البنية التكنولوجية ، جرى ما جرى في لبنان للقضاء عليه... الآن هناك خطر إيران، أمريكا اختلقت حربا بينها و بين العراق، لأنهما معا يملكان النفط و قطعا شوطا مهما في التقدم التكنولوجي و البحث العلمي ، تقاتلا البلدان وضاعت جهودهما في التنمية، ومازالت أمريكا مصرة على الوصول إلى إيران؛ وتلعب حاليا على وتر ارتباطها مع حزب الله و الشيعة و لبنان. وان هذا إلا تمهيد؛ لأنه أضحى من الواضح الآن أن الحرب الحضارية مسلسل؛ بالأمس أفغانستان و العراق و اليوم لبنان، و أردنا أم كرهنا ستضرب سوريا إما بالقنابل و إما بانقلابات داخلية. كل المؤشرات تفيد أننا في أوج مرحلة استعمارية جديدة....في أي مكان في العالم حدث فيه تفوق علمي غير يهودي مسيحي، ستكون هناك أسباب لمحاربته بأي وسيلة كانت، تحت غطاء محاربة الإرهاب أو غير ذلك."(ص:286- 287). عود على بدء،كما صرحنا بداية فالشاهد الأول الذي أتينا به من عند المفكر "روجي جارودي" سياقه الدلالي ينحصر أساسا فيما يسمى عند "الحركة الصهيونية" بمشروع إسرائيل الكبرى" كما هو مسطر في أجنداتهم. فضلا عن ذلك "فروجي جاروي" حينما استشهد بذلكم النص، فذاك من باب كشف الوجه الحقيقي " لمسمى دولة إسرائيل الصهيونية المؤسسة على تفعيل الأساطير الدينية وتوظيفها سياسيا". إن التصورات المستقبلية التي خطتها أيادي الصهاينة في "الوثيقة الأولى" كانت وقتها مجرد إستراتيجية، أما اليوم فهي – في غالبيتها – أضحت واقعا مشاهدا و معاشا. وفي الكلام الذي أوردناه "للدكتور المهدي المنجرة" أكبر شاهد تحليلي لذلكم "التصور المستقبلي/ الماضي الذي أصبح حاضرا في عموميته. وإذا كان حقا ما قلناه، فما سطره المهدي المنجرة – في النص أعلاه- من تنبؤات "مستقبلية" ، وبخاصة "مآل سوريا" هو يرى اليوم كواقع وحاضر معاش بينما كان بالأمس مجرد تنبؤات. لا ريب في أن كلا النصين اللذين أوردناهما يسيران في خط "ثقافة المؤامرة"؛ تآمر الغير على الأنا أو الأنا على الغير بالتحديد الفلسفي و السياسي، وذلك بالاعتماد أساسا على "الشواهد/ الموروث التاريخي؛ الماضي منه و الحاضر" كسند للتحليل و التنبؤ، وذلك نظرا لأن تحليل "الحدث التاريخي" خاضع للتفسير الجلي (ما هو مشاهد ورائج و مذاع ومنشور ومتداول) و التفسير الخفي ( ربط الحدث بالسياقات،الظرفيات، التيارات...). واستنادا على ما سلف، نتساءل عن أي التفسيرين أصلح و أصدق "تاريخيا" لتحليل مسمى "الربيع العربي": هل يمكن القول أن كل ما في المسألة لا يعدو أن يكون سوى "خطة أمريكية/ إسرائيلية ؛ سيرا على مسلسل "فرق تسد" الحديث/القديم؛ ولنا في الشواهد/ النصوص المشار لها أعلاه وغيرها أكبر دليل؟. هل "الربيع العربي" هو أجرأة لتلك الثورة التي كانت منتظرة ومتنبأ لها تحت اسم "ثورة الكامون"، بمعنى أن "الشعوب العربية تم حكها ظلما من طرف حكامها فأنتجت لنا ربيعا عربيا شبيها برائحة "الكمون حينما يحك"؟.
هل نكون مخطئين إن قلنا بمنطوق التساؤل الثاني ، نظرا لأن منحى و مآل تلك "الثورات" المسماة ربيعا عربيا هو – حاليا- يسير في اتجاه تأكيد و تعزيز الطرح المشار له في التساؤل الأول و المنتصر فيه لنظرية" ثقافة المؤامرة" و اعتبارها الفاعل الأساس في الحدث التاريخي لا أصحابه الظانون خلاف ذلك؟.