كثر مؤخرا الحديث عن الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، على مدار ثلاث سنوات ونحن نسمع هذا المصطلح يتداول على لسان جميع فئات المجتمع، المثقف منه أكاديميا والمواطن العادي مساهمة في النقاش والانتخابات، ولكن الكل يشهد أن ثماره اقتصرت على انتخابات برلمانية مستعجلة وتربع أحزاب ذات إيديولوجية مختلفة على عرش الحكومات، كما أن الجميع أضحى مقتنعا أن هذه الزفة الكبيرة لم تكن انتقالا من مرحلة إلى مرحلة جديدة وإنما غشاء شفاف غلف به جسم مريض يعاني مجموعة من العلل. الديمقراطية منذ اليوم الأول لولادتها تعني أن يكون الإنسان حرا قادرا علي اختيار من يمثله دواليب المؤسسات المخزنية، ولكن للأسف هذا الشرط لايعترف به العرب، فالديمقراطية العربية هي الحج إلى صناديق الاقتراع بحماس وكثافة يفوقان علم المتوجهين بأهداف وآفاق واستراتيجيات الوجوه المرسومة بإتقان على صفحات الإعلانات السياسية، وهذه هي الديمقراطية في القاموس العربي والذي يضم مجموعة من التعريفات أهمها التصارع العنيف للإيديولوجيات وشن حرب لفظية بين مختلف الفصائل، وفي الأخير التوجه إلى الشعب ليكون الحكم عن طريق حثه على الذهاب إلى صناديق الاقتراع لوضع حد لهذه الحرب البادرة وعقد هدنة بين الأطراف لا تلبث أن تتبخر فصولها نظرا لسخونة الجو السياسي عن العرب. في هذه المرحلة هي الصناديق هي تلك القنابل الموقوتة التي تنفجر في وجه المواطنين فلا اقتصاد يتطور ولا مجتمع يزدهر وعيا ولا تعليم يتحسن ولا صحة تتعافى ولا بطالة تجد لها وظيفة محترمة" هي الديمعرابية، حيث ترى مجموعة من الوجوه المألوفة على مئات الآلاف من صفحات الإعلانات التي تمجد الحزب وتاريخه ورؤساءه وأهدافه. الديمعرابية هي سياسية قبلية تدعو القبيلة أن تصوت لصالح من يمكنه أن ينهب أكثر ولصالح من لديه الكفاءة من الاستقرار على نفس الكرسي ، كما أن ديمعرابيتنا تضع جميع الوسائل اللغوية في يد الطرف المنهزم أو الذي لم يحن وقته ليفوز ليستعملها للدفاع عن موقعه وتعلو بذلك ديمعرابية الجدال على ديمقراطية التعبير.
ويجب أن نذكر أيضا أنه من بين المرتكزات الرئيسية لديمعرابيتنا أن يتجه الناس إلى صناديق الاقتراع كأنهم في طريقهم إلى مغامرة لم يكتشفوا خباياها بعد، وأن يحملوا معهم صور المرشحين للتسلية في الطريق كمن يستمتع وهو يلعب الورق، ينتظر النتائج النهائية بلهفة ليعرف الورقة الرابحة، إنها ديمقراطية المغامرة. ويجدر الإشارة أيضا أن العرب تعودوا على أن يتخذوا من يوم التصويت يوم عطلة، يقضونه في الترفيه على أنفسهم وذلك بزيارة المكاتب وخلق نقاش ثقافي حول ماضي ومستقبل العمل السياسي في بلادهم دون الإشارة ولو من بعيد والى اليوم أو الحاضر الذي يعيشونه، وكما أيضا يتخذون هذا اليوم مناسبة لتشغيل العقول وجعلها تبذل مجهودا لمعرفة كفاءة المترشح من شكله في الصورة، وفي جميع الأحيان تكون الوجوه لها نفس الشكل يضطرون لاختيار صاحب أفضل العيون أو أفضل السيئين . وبعد هذا اليوم الذي تمكن فيه العرب من التنزه، المغامرة، المخاطرة، التحليل، والتدقيق... سيكتب التاريخ بخط غير مقروء أن الصناديق الزجاجية لم تحمل ما يكفي وأحالت الأوراق على أيادي خفية لتحدد الفائزين. إن كان العالم كله يعرف ديمقراطية واحدة، فنحن العرب لنا خاصتنا والتي تعاني من إعاقة دائمة ومراعاة لشعورها بالنقص أطلقوا عليها مصطلح الديمعرابية، كما أطلقوا سابقا مصطلح الدول النامية على الدول التي تعاني من نقص حاد في هرمون النمو