في الأسبوع الأول من ماي ، طرحت وزارة التربية الوطنية عبر موقعها الرسمي المذكرة الإطار المنظمة للحركات الانتقالية لموظفيها ، تلك العملية التي تحولت بفعل الزمن و "العفاريت" و "التماسيح" و كل ما يسمح به قاموس رئيس حكومتنا الموقر إلى حركة "انتقامية" تلظى بلظاها نفر دون الغير ، حتى خُيل للبعض أن هناك حسابات "تحت الطاولة" بينهم و بين أرباب التعليم بالمغرب . ما إن تطالع الوثيقة حتى تجد أنها منحت للجميع قطعة من الكعكة ليسودوا بها عيونهم إلا العازبين من الذكران ، و الحقيقة أننا لحد الساعة لا نعلم سبب و دواعي هذا الأمر ، ما دفعني إلى العودة إلى الوراء ، و قراءة المقام قبل المقال ، و مراجعة السياق العام ، و الربط بين الرسالة المشفرة و الحكم "الإسلامي" بالمغرب ، فذهلت كما تعجبت لغرابة ما وجدت . قد يبدو الأمر ضربا من الخيال ، إذ تنعدم العلاقة المنطقية بين الشيئين المُقَارنين ، كما كان يجري في برنامج قصير تبثه قناة "سبيستون" للأطفال ، يسمى :" الرابط العجيب"،فقد وجدت أن المذكرة الإطار تتضمن رسالة مبطنة لأولئك النفر ، تدعوهم للتعجيل ب"إتمام دينهم" و إيجاد "نصفهم الآخر" ، كما يدعو إلى ذلك شرعنا الحنيف ، و حتى تبين لهم المراد ، و توضح المقصود ، و تحقق مقاصد الشرع الحكيم الذي لم يولِ لمسألة العمر قيمة تذكر في الزواج ، فقد رهنت الوزارة معشر العزاب بزوجة موظفة في قطاع التربية و التعليم ، إن هم أرادوا الاستفادة من رخصة "الامتياز المطلق" و حجز التذكرة الذهبية إلى مسقط رؤوسهم في رحلة ذهاب بلا عودة. لكن ، المشكلة تكمن في ندرة هذا النوع من الزوجات الحاملة لهذه المواصفات ، إذ أن أغلب العاملات بالقطاع لم يكن لهن الحظ في الإنتقال إلى الأوساط الحضرية أو الشبه حضرية إلا بعد قضاء مدة زمنية –ليست بالهينة- في دهاليز الجبال و غياهب الصحراء ، و جلهن لم يتخلصن من وضعهن البائس إلا بفضل ما يعرف ب "الإلتحاق بالأزواج" ، أي انهن وجدن شريك الحياة قبل الإنتقال ، فكيف سيجد هذا العازب "زوجة" له في هذا الوضع ؟ لم تتركني نفسي – الأمارة بالسوء – أرتح من وجع الرأس هذا ، بل ألحت علي لإيجاد فرضية ممكنة ، إذ أصرت على ان تلك الزوجة موجودة ، و بما انني لست من "العاجْزين" ، فقد سايرتها في رغبتها ، غير أنني احترت كثيرا ، إذ لو فرضنا جدلا وجود هذه "الماسة" النادرة ، فالأكيد أنها ستكون قد بلغت من العمر عتيا ، و هو ما لن يتقبله كثير من العازبين . غير أن الوزارة اهتمت بهذه المسألة أيضا ، فكل شيء "إسلامي" في قراراتها تلك ، فإن تزوجتَ ، تكون قد حقّقّتْ –الوزارة الوصية طبعا - مراد الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم ، الذي حث أمته على الزواج [تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم .الحديث] ، و إن رفضت ، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، و لا يضرك إن صُمْتَ بضع سنين ، فهو لك وِجَاء ، دون أن نتحدث عن الفوائد الصحية لهذه الشعيرة التعبدية العظيمة .
فخلصت إلى أمرين ، أحلاهما مر ، لكنهما واقع لا يرتفع ، فإما أن تبحث عن "صاحبتك" التي ستأويك و تنتشلك من دار البوار ، كيفما كانت ، لا يضرك منها شيء ، لأنها ستكون ولية نعمتك من الآن فصاعدا ، و إما أن تُوَطّن نفسك على مكارم الأخلاق ، حيث الصبر و الصوم و غض البصر و أشياء أخرى .. و هكذا تكون الوزارة قد احترمت أمنية و وصية رئيس الحكومة ، في "تذكير العالم أن المغرب دولة إسلامية " ، و بما أن "الصدقة في المقربين أولى " فقد ذكرت الوزارة موظفيها اولا بذلك ، فلكم الشكر الجزيل مثنى و ثلاث و رباع ، لنيتكم الصادقة ، و تذكيركم النير ، و سعيكم المشكور ، و ثباتكم الراسخ .