إذا كانت أيام شهر أبريل تمثل أوج فصل الربيع بأجوائه المرحة وخضرته اليانعة وأزهاره المتفتحة، فإنها على قضية الصحراء غالبا ما تكون أياما عجافا مقفرة. و السبب طبعا هو تزامن هذا الشهر مع مواعيد التمديد لمهمة ما سمي "بعثة الإمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية" (مينورسو). ففي نظرنا التمديد للبعثة هاته في هذا الشهر بالذات من كل سنة هو أشبه بكذبة "أبريلية" نسبة إلى أبريل، ولكثرة هاته التمديدات فهي عبارة عن أبريليات بائدة سنة بعد أخرى. ليس فقط التمديد للمينورسو وحده عبارة عن أبريلية متجددة ومستدامة، بل بعثة الإمم المتحدة في الصحراء هي ذاتها أبريلية قديمة. ففي مثل هذا اليوم ظهرت إلى الوجود، وبالضبط بتاريخ 29 أبريل/نيسان 1991 تم إنشائها بقرار مجلس الأمن رقم 690. ولأنها أبريلية تكررت كثيرا فتقررت لدى الجميع، فليس من العجيب أن نخلد ذكرى ميلادها و نطفئ معها شمعتها الثالثة والعشرين. إن الخاسر الأكبر من النزاع هو الإنسان الصحراوي البسيط وأهل المخيمات على الخصوص. ألم يأن للصحراويين أن يوقنوا، بعد أكثر من أربعين سنة من المعانات دون حل في الأفق، إن بقي الحال على ما هو عليه، فسيعانون لعقود أخرى معانات قد تكون أمر من هاته... أجيال و أجيال تحيى و تتوارى ممتصة غصة الماضي و ألم الحاضر دون أن يتراءى لها بصيص أمل في الأفق. قد تقوم القيامة على الناس أو قد تقوم قيامة هذا الإنسان المسكين لوحده دون أن ينعم و لو بيسير من السعادة في أمور دينه أو في شؤون دنياه. عقيدة الإنفصال: إن قضية الصحراء اليوم توجد أمام الكثير من السيناريوهات. فالبوليزاريو، و بدعوى تمثيلها للصحراويين، تدفع في اتجاه الإنفصال. و لهذا الدفع حوافز كثيرة من أهمها الحافز الإقتصادي. و يتمثل في وجود إحتياطي كبير من البترول و آخر من الغاز سيحولان تلك الصحراء الشاسعة بين عشية و ضحاها إلى كويت إفريقيا. و هذه الشائعة بدورها هي أبريلية قديم كانت مناطق أخرى من العالم ضحية لما شابهها. و هدف هذه البروباجاندا بكل بساطة هو إذكاء النزاع و استدامته، و أفضل شيء لتحقيق ذلك هو صب البترول عل النار ثم محاولة إطفائها بالغاز. بالله عليك، أيها الإنسان الصحراوي البسيط، هل كنت تظن أن صحراء شنقيط الشاسعة أو بلاد موريتانيا، وبسكان قليلون جدا، ستكون أرضا صفرا من الثروات الطبيعية ألهم من شوائب قليلة و شيئ من حديد. وهو المعدن الذي على وفرته ما كان يسمن ولا يغني قبيلة من جوع أيام "الصلب و الفحم و السوفيات"، فكيف له أن يحقق الكفاف أو التنمية لشعبها في زمن "البلاستيك و الألومنيوم و الفيسبوك". من أنصار "عقيدة الإنفصال" من إذا لم تسعفه الأدلة التاريخية، يستشهد بما وقع خلال سنوات الرصاص غافلا عن كون تلك التجاوزات كانت عامة ولم يكن الصحراويين وحدهم ضحية لها وناسيا أن صفحتها طويت مع هيئة الإنصاف و المصالحة ومتناسيا أن ضحاياها من الصحراويين، الذين قدر لهم التواجد في المغرب ساعتها، استفادوا من برنامج جبر الضرر الفردي أو الجماعي. إستمرار النزاع: يجب على الإنسان الصحراوي البسيط الذي يشكل الأغلبية الصامة، و باعتباره شخصا ماديا عاقلا، أن يعبر عن تطلعاتك في شأن الصحراء بدون خجل أو خضوع أو تكبر أو نفاق أو خوف... و بتحرر كامل من أجندة البوليساريو باعتبارها شخصا معنويا غير عاقل، لا تمثله بالمرة و لكي لا تسترزق على آلامه ولا تسفه أحلامه. هذه الأغلبية الصامة تمثل فئة كبيرة من ساكنة الأقاليم الجنوبية و لكنها أكبر في مخيمات تندوف، وإذا ما تحررت من سلبيتها المقيتة فستنهي استمرار النزاع في الصحراء. إن هذا السيناريو الثاني و المتمثل في "استمرار النزاع" سواء على حالته الحالية أو تطوره إلى ما هو أسوأ-لا قدر الله- له أسباب كثيرة و من أهمها خضوع البوليزاريو للإملاءات الجزائرية حتى في أدق الحيثيات وعدم استفادتها من هوامش سياسية خصوصا في مسلسل المفاوضات. وكذا ضعف المنطق البراغماتي لديها في دفاعها عن قضية من تدعي تمثيلهم، ورغبة قيادتها في بقاء الحال على ماهو عليه(status quo) لأن حل المشكل و تسوية النزاع يضر بمصالحهم الشخصية. الفاعل الثاني المغذي لدوام النزاع هو "وهم حقيقي" يسمى هيئة الأممالمتحدة. فهذه العصبة بدورها كذبة أبريل قديم من سنوات الحرب العالمية الثانية. وبالضبط فقد حضر مندوبو الأمم المذكورة وعددها خمسون دولة للمؤتمر التأسيسي للهيئة يوم 25 أبريل/نيسان سنة 1945 بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، وساغو ميثاقا مكونا من 111 مادة أعتمد بالإجماع. و هو الميثاق الذي فطن الكل لعدم صلاحيته، إلى درجة أن "العقيد المقبور" فطن هو الآخر فمزقه ورماه في جلسة للجمعية العامة أمام العالم بأسره، رحم الله معمر القذافي ولو على فعلته هاته لوحدها. إن ذلك الإنسان الصحراوي البسيط بسجيته الثاقبة وبحدسه الفطري عندما يتأمل حال ومآل هذه "الوهم الحقيقي" سيقول دون تردد: "إن هيئة الأممالمتحدة هي عبارة عن سيارات رباعية الدفع، فارهة من أحدث الموديلات، بيضاء ناصع لونها تسر الناظرين...". فالمنظمة المذكورة هي عبارة عن شركة مساهمة لا يستفيد من نفعها أو ريعها إلا من يدفع أكثر للأمم المالكة لأسمها و اللآخذة بزمام حركاتها وسكناتها. فهي و مهما كثرت سياراتها وقراراتها وهيئاتها واجتماعاتها فهي دائما في خدمة مصالح أسيادها الذين لن يدفعونها إلى فعل الخير حبا في سواد أعيننا. عندما تتبع حقيقة "أبريلية الأممالمتحدة" ستجد أن سياساتها مستأسدة على دول العالم الثالث وأن قراراتها غير ملزمة للأقوياء وأن أموالها ضاعت سدى في السيارات و الطائرات و المناظرات و الفنادق الراقية... وما خفي أعظم. و لأدل على ذلك سوى تدخلها السلبي في الكثير من النزاعات عبر دول العالم الثالث و عدم تدخلها أو تأخره في بؤر أخرى خدمة للسياسة الإستعمارية القديمة. فضيلة الوحدة: لقد أصبحت هذه الهيئة بيت واهن بإجماع الخبراء و السياسيين، يحتاج إلى إصلاحات كثيرة بعضها جذري. لذلك و إذا ما قرر المغرب وقف تعاونه مع الأممالمتحدة و طرد بعثتها المسمات "مينورسو" من الصحراء المغربية بسبب تغيير طبيعة مهمتها، فستذهب في حالها غير مأسوف عليها. وسيقدر الله لك أيها الإنسان الصحراوي البسيط -إن طالت بك حياة- يوما تحكي فيه لأحفادك حكاية تقول في مطلعها: "كان يا ما كان، كانت في قديم الزمان، كائنات أبريلية بائدة هي ألفونسو و البوليساريو و المينورسو..." أما الإحتمال الثالث والأخير فيتمثل في الوحدة، والخير كل الخير في الوحدة والجماعة ولا خير في الفرقة والتمزق. وإنه لمن مصلحة الصحراويين التامة والكاملة أن يكونوا وحدويين و مندمجين مع المغرب ولو من دون حكم ذاتي أو نظام فيدرالي. فالماضي بوثائقه التاريخية المحققة والحاضر بوقائعه الجغرافية الراسخة والمستقبل بتطلعاته المصيرية المشتركة، كل ذلك مع الوحدة. ليست "فضيلة الوحدة" علاج فعال للحروب الساخنة فقط، بل هي أيضا وقاية ضد تلك الأعراض الجانبية "ديال شد ليا نقطع ليك" بين معسكري الشرق والغرب. وإذا كتب للحرب الباردة أن تنتهي في الكثير من مناطق العالم، فهل ستبقى أنت أيها الصحراوي البسيط حطبا يابسا تسعر به نار الصراع؟ ليستنير علي محرقتك الشرق والغرب ويستدفئ ويستمتع... ولهم في حرقك مآرب أخرى. ما أشبه حالتك إذن بنباتات وشجيرات قصيرة ترفس أثناء معركة حامية بين جملين هائجين. والوحدة معناها عند ذلك الإنسان الصحراوي البسيط لها معنى سهل وبسيط، ويتمثل عنده في أن يطعم من جوع في غذائه وسكنه وصحته وتعليمه وترفيهه... وأن يأمن من خوف على إيمانه وثقافته وحقوقه وعشيرته ومستقبل أبنائه... فالوحدة هنا هي عنوان الكرامة.
ورغم كل ذلك تبقى لأعداء الوحدة الترابية للملكة المغربية إدعاءات كثيرة في "عقيدة الإنفصال" مبنية على أوهام خالدة في نفوس أمارة وعلى أهواء متبعة ولدى شياطين ماردة، في شهري فبراير ومارس تخنس وفي أبريل وماي توسوس. أوهام وجب ضحدها بكل الطرق خصوصا في ذهنية الإنسان الصحراوي البسيط، و البداية تكون بفك الإرتباط لديه بين نزاع الصحراء والأبريليات البائدة.