بعد الإجماع المشكوك فيه على الدستور الجديد الذي سخرت له الدولة كل الوسائل المباحة و غير المباحة لتقديمه في أبهى حلة بهدف كبح المبادرات الشبابية الطامحة إلى التغيير,أجهضت كل أحلام المواطن المغربي في رؤية مغرب حداثي و ديمقراطي,فكل هذه الأحلام ذهبت في مهب الريح أمام ممارسات المخزن التي لم تحترم رغبة المغاربة الرامية في قطع الصلة بكل المظاهر التي تجعل بلدهم أرضا خصبا لتلك النقاط السوداء التي تتناقض مع الديمقراطية الحقة. فمباشرة بعد الخطاب الملكي ل9مارس الذي أيقظ في نفوس المغاربة كل تلك الآمال التي لازمت الركود لوقت طويل,حسبنا أن هذا الوطن سلك المسار الصحيح الذي سنلتحق عبره إلى ركب الدول المتقدمة ,إذ لا أحد كان يمكنه أن يجادل في مشروعية هذا الطموح الذي كانت تؤمن به كل مكونات المجتمع المغربي باختلاف تلاوينها و مبادئها استنادا إلى اللعبة السياسية المتقنة التي قامت بإخراجها الدولة و التي تمتلث في الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين الذين دفعوا ضريبة رغبتهم الجامحة في كشف المستور و تنوير الرأي العام بالإضافة إلى إقرار التعديل الدستوري الذي قيل عنه أنه سيحقق العدالة الإجتماعية و الكرامة للمواطن المغربي , مما أدى إلى تفاؤل غير محدود في دخول المغرب إلى مرحلة جديدة تتميز بمشاركة الشعب في تقرير مصيره بعيدا عن المخططات المخزنية التي دائما ما تهدف إلى قتل طموح المغاربة في التغيير.
لكن سرعان ما تحول هذا التفاؤل غير المسبوق إلى تشاؤم معتاد بشأن مستقبل هذا الوطن,فالكل تأكد أن لا شئ تغير أو سيتغير بل و أدرك أن هذه المؤشرات الإيجابية التي أبانت عنها الدولة لم تكن سوى مناورة منها لإبعاد المواطن المغربي عن حلمه في القضاء على الهالات السوداء التي تلتصق ببلده من زبونية و محسوبية وغيرها من الممارسات التي ساهمت في إبقاء المغرب رفقة دول العالم الثالث,فيكفينا القيام بمراجعة بسيطة لما حدث ما بعد الخطاب الملكي ل17 يونيو لندرك أن سكة الديمقراطية لا زالت معطلة في هذا البلد,فالخروقات التي شهدتها حملة الإستفتاء تجاوزت كل الخطوط الحمراء هذا إن كانت هناك خطوط حمراء أصلا في هذا الوطن,بداية من تسخير الدولة لكل الوسائل لفرض رأيها على المواطن بالتصويت بنعم على الدستور الجديد و مرورا بقمعها للأصوات المعارضة التي لم تنل فرصتها سواء في الإعلام العمومي أو حتى في الشارع للإفصاح عن توجهاتها ثم انتهاءا باستغلال الدولة لما أصبح يعرف بالبلطجية لمناهضة كل محاولة من طرف المعارضين لإسماع صوتهم,فما يجب أن يتقبله كل من يبخس دور الحركات الشبابية و يصدر عنهم أحكاما مسبقا هو أن لولا الصفات النضالية التي اتسمت بها لما سمعنا عن تعديل دستوري أو إفراج عن معتقلين سياسيين و بالتالي فعلينا أن نعترف بالإنجازات التي حققتها بعيدا عن كل تعصب و بغض النظر عن تشكيلاتها اليسارية أو الإسلامية لكن هذا لم يمنع أن نتعارض معها في العديد من النقاط ,فأكثر ما يعاب عن هذه الحركات أنها لا تقدم بدائل قادرة على تحقيق التغيير نحو الأفضل و تكتفي بالتنديد و الإحتجاج في الشارع لأن السياسة لا تبقى ممارستها حكرا على الشارع.
لقد كان بوسع الدولة بكل بساطة أن تستغني عن تلك الممارسات التي رافقت حملة الإستفتاء على الدستور باستحضارها لكل الأصوات مهما كانت توجهاتها و تترك الفرصة للحركات الشبابية المعارضة حق الإحتجاج لتبرهن أن هذا الوطن لم يعد يشهد أساليب القمع و أضحى بلد الحريات بامتياز,فمن وجهة نظري الشخصية أن ما خلق كل هذا الإحتقان ليست المضامين التي أتى بها الدستور الجديد و إنما الطريقة التي تعاملت بها الدولة مع الأصوات المنددة و الوسائل غير المشروعة التي استعملتها في التأثير على المواطن للتصويت بنعم على الدستور الجديد,فأصبحنا نرى إبان حملة الإستفتاء أن كل الأماكن أصبحت مباحة لتدعيم الدستور الجديد من واجهات المحلات التجارية و الشركات و المقاهي بل حتى المساجد التي تم استثمار قدسيتها لصالح الدستور مما شكل سبقا خطيرا في استغلال الدين لأغراض سياسية .
و أكثر ما يؤكد أن الدولة استحضرت كل الوسائل للتأثير على رأي المواطن هي تلك الأفراح المصطنعة بنسبة كبيرة مباشرة بعد إقرار الدستور الجديد,فكيف يمكن اعتبار كل أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن فرحهم و هم لم يقرؤا ولو فصل واحد من الدستور و بالتالي لم يستوعبوا مضامينه المعقدة التي وجد أهل الإختصاص صعوبة في تبسيطها,إذن فيمكن الجزم أن للدولة يد خفية في المشاهد التي عرفتها مدننا بعد الخطاب الملكي و ما يؤكد هذا المعطى هي مقاطع الفيديو التي شاهدها الرأي العام و التي تظهر مطالبة المهللين للدستور بمستحقاتهم و التي تكمن في 200 درهم.
كما لعب إعلامنا العمومي أو بالأحرى إعلام الدولة دورا كبيرا في إتقان تجسيد المسرحية على المواطنين القاضية بأن كل شئ على ما يرام ,فبمجرد مشاهدة النشرات الإخبارية سنلمس حتما أن هذا الأخير ما هو إلا رعية من رعايا الدولة,و أكبر دليل على هذا هو التغاضي المقصود الذي تقوم به قنواتنا تجاه المسيرات الإحتجاجية الأسبوعية التي لا تجد لها مكانا في برامج هذا الإعلام,فبعد طرد الدولة للجزيرة التي كانت تتعامل بموضوعية تامة و تكشف الخبايا كان من المتوقع أن تستمر تغطيات الإعلام العمومي التي تفتقد للحياد و تتجه نحو التحيز للدولة,و يكفينا مشاهدة كيف تعامل هذا الإعلام مع الأصوات المعارضة للدستور إبان حملة الإستفتاء إذ لم يعطي الفرصة لأغلبية الأحزاب و التنظيمات التي لم توافق على الدستور لنتأكد بالملموس أن سياسة التضليل لا زالت هي المفضلة لدى الدولة.
إذن فيمكننا القول أن كل هذه الممارسات الدنيئة السالفة الذكر التي ارتكبتها الدولة ما هي إلا نقطة من بحر التجاوزات الخطيرة التي لازالت تستهويها,لكن رغم كل هذا فلازلنا متشبثين بخيط رقيق من الأمل و هذا مايجعلنا نعطي للدولة الفرصة الأخيرة إن كانت فعلا ترغب في تجاوز الأخطاء السابقة التي عانى منها المواطن المغربي,و لا يوجد أفضل من الإنتخابات القادمة لتبرهن للعيان أن التغيير آتي لا محالة و أن البيروقراطية لن تجد لها مكانا في هذا البلد, و حسب رأيي الشخصي أعتبر أن مرور الإنتخابات القادمة في ظروف جيدة يقتضي العديد من الضوابط و التي تتمثل في الإنتقال من التصويت ببطاقة الناخب إلى التصويت بالبطاقة الوطنية لكي لا تترك الفرصة للتلاعب بأصوات الناخبين, بالإضافة إلى إشراف هيئة مستقلة على الإنتخابات عوض وزارة الداخلية التي أخذت نصيبها الكافي من التلاعب بالإنتخابات ,ثم مراجعة التقطيع الإنتخابي الحالي الذي نددت به أغلب الأحزاب السياسية.
و هكذا أعتبر أن عدم وجود هذه الضوابط في الإنتخابات القادمة يعد ضربة قاضية لتحقيق الديمقراطية في هذا الوطن,و لهذا فأرجو أن تؤخذ هذه الضوابط البسيطة و التي سيكون لها دور فعال في تلطيف المناخ الإنتخابي بعين الإعتبار هذا إن كانت للدولة الإرادة في القضاء على التلاعبات التي لطالما ترافق العملية الإنتخابية,و إن تحققت فعلا هذه الشروط فعندئد سيمكننا القول بل و الجزم أن وطننا أخذ المسار الصحيح المتجه نحو التنمية و الديمقراطية الحقة. www.facebook.com/ayoubrafik [email protected]