الجزائر في مواجهة مرآة الحقيقة: أكاذيب الداخل والخارج    تونس تتحول في عهد قيس سعيد إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم    مشروع ورش الدار البيضاء البحري يرعب إسبانيا: المغرب يواصل رسم ملامح قوته الصناعية    تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بعد قرار قطع المياه    كندا.. قتلى وجرحى إثر دهس سيارة لحشود في مهرجان بفانكوفر    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    فاجعة ابن احمد: الأمن يوقف شخصا ادعى أن "السفاح" قتل أيضا طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة    "العدل" تستعدّ لإصدار نصّ تنظيمي بشأن تطبيق قانون العقوبات البديلة    "لبؤات الفوتسال" يواجهن أنغولا    جلسة حوارية "ناعمة" تتصفح كتاب "الحرية النسائية" للمؤرخ بوتشيش    احتجاج أمام "أفانتي" في المحمدية    حقيقة قتل "سفاح ابن أحمد" لطفلة    برشلونة يحرز لقب كأس إسبانيا    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    اعتذار على ورق الزبدة .. أبيدار تمد يدها لبنكيران وسط عاصفة أزمة مالية    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوظيف المباشر والترقية المباشرة...إسهام في نقد العقل البائد
نشر في أخبارنا يوم 24 - 03 - 2014

نيمم وجوهنا هذه المرة صوب الترقية المباشرة، أي الارتقاء المادي اللامعرفي من درجة دنيا إلى أخرى عليا، وذلك بعد أن نشير إلى أن حديثنا سلفا عن التوظيف المباشر بيَن أن الأمر يتعلق بغصب للحق بغير حق، ويسعنا أن نشير كذلك إلى أنه يدخل في عداد الوظيف العاض والمكره قياسا على "الحكم الجبري" الذي يتأسس على أدلوجة فقهية تستند على الأحقية في الحكم (راجع بهذا الصدد، عبد السلام ياسين، رجال القومة والاصلاح، 2001)، ولعل في الأمر فوائد تستملحها العقول النيرة.
في ذات الآن أثمر الموضوع تأليف زمر من الأتباع والحواريين الذين يؤسسون لوجودهم بوسائط صنمية، مصابين بعوْل وبعصاب ورهاب جماعي على شاكلة ما وصفه سيغموند فرويد، أو ما قال به ميشال فوكو في مؤلف "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"،وفيما يماثل هذا فقد تساءل "نتشه" في كتابه "أفول الأصنام" قائلا، هل سبق لامرأة مكسوة جيدا أن أصابها برد؟ والجيد هنا يقابل مجازا المعرفة.
غير أنه من واجب الاعتراف أن التوظيف المباشر الذي عرفه قطاع التعليم عقب صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والقاضي من بين مقتضياته تعميم التعليم، أسهم في ارتفاع نسبة الولوجية إلى التعليم الابتدائي، سيما وأن الذين تم توظيفهم وقتذاك عينوا في أقاصي الجبال وفي الفيافي وأدوا رسالة ما ينبغي لنا أن نغفل عنها، وقد كنا على ذلك شاهدين خاصة في جبال درن وفازاز، أما اليوم وقبله بسنوات فلم يكن ثمة من مسوغ مشروع لمثل هكذا توظيف والذي قام فيه المخزن بمقايضة بقائه بشراء السلم الاجتماعي، أليس السؤال المستبد بنا اليوم هو كيف السبيل إلى الإنفلات والانعتاق من الانحطاط؟
الواضح إذن أن التوظيف المباشر خطأ ما ينبغي أن يكون، وإذ كان فلا ينبغي تكراره، سنعِده في عداد الأخطاء التي سجلها التاريخ وابتدعها المخزن العتيق البائد، وهو "الآمر المطلق" بالمعنى الكانطي (راجع فرويد، الطوطم والحرام،1965) كما لا ينبغي أن يحل محله ما يماثله لا في المعنى ولا في التسمية، ومن ذلك ما اصطلح عليه بالترقية المباشرة بناء على شهادة جامعية.
إن مراجعتنا للاسطوغرافيا القانونية الراهنة، بينت عدم وجود ما يسمى بالترقية المباشرة، فإذا كانت كل الدساتير الممنوحة التي عرفها المغرب المستقل تقر بحق العمل بناء على الكفاءة والاقتدار العلمي، فالأمر كذلك بالنسبة للترقية،فلم نعثر في قوانين الوظيفة العمومية الأصيلة والمعدلة على ما سمى بالترقية المباشرة، فالقانون يقول لا ترقية إلا بالمباراة أو الاختيار، وغير غافل عن أحد أن السياق الذي أفرز التوظيف المباشر هو نفسه الذي ولد الترقية المباشرة من غير مباراة.
والاعتقاد عندنا أن فهم هذه الوضعية لن يتم إلا بوضعها في النسق العام للدولة المغربية(تجاوزا)، من خلال الصراع الأبدي بين المشروع واللامشروع، القانون واللاقانون، فإذا اقتصرنا على التاريخ الديني الذي لا يستوعبه فقهاء اليوم ومنهم أساتذة التربية الاسلامية، اللقيطة المنكرة، التي وضعها المخزن عسفا في المنظومة المدرسية، فإننا نجد أن الدولة الحديثة أدمجت التيار الشرفاوي كبنية اعتقادية غير منتجة، في سلك الدولة، نتج عن ذلك غالبا صراع بين هذا التيار والطائفة التي انبثق عنها وهي "طائفة المتصوفة"، وهذا نموذج جلي يبدعه الحاكم والذي يمثل التوجه السياسي، بالاستناد على ما هو ديني، وأما الذي يهمنا في أمر الترقية ،قياسا على ما أوردناه، فهو تشطير الفئة الواحدة إلى جماعات متصارعة بالرغم من الانتماء والمصير المشتركين، فالترقية المباشرة لا تعني الجميع، بل تهم فئة محددة هي التي تمكنت من الحصول على شهادة جامعية، مع العلم أن الأمر غير متاح للجميع.
إن الشهادة الجامعية التي يحصل عليها أغلب الموظيفين هي غير ذات مصداقية، بالرغم من أن القانون أضفى عليها صبغة المشروعية، فولوج كثير من الموظفين إلى الماستر مثلا يتم بطرق غير أخلاقية بتاتا، منها التزلف، الاستزلام، الركوع والسجود للأساتذة آناء الليل وأطراف النهار، وهدايا عينية عبارة عن سمن وعسل وأشياء أخرى،وأكثر الموظفين إقبالا على مثل هذه السلوكات الشاذة والمشينة هم الذين يتابعون دراستهم في الدراسات الاسلامية، إضافة إلى الجرائم التي يرتكبها أساتذة التعليم الابتدائي خاصة، الذين ينقطعون عن العمل لأسابيع متتالية والحضور اليومي للحصص في الكلية، في خرق سافر للقانون وبتواطؤ مع مدير المؤسسة الذي يتستر على تجاوزاتهم، وهؤلاء في نظرنا ينغي تكليف المقدمين والشيوخ لمراقبتهم مراقبة صارمة والتبليغ عن تغيباتهم لإجبارهم على الحضور وأداء مهامهم، لأن الأجور التي يتقاضونها مأتاها من دافعي الضرائب ومنهم الذين يعيشون على الكفاف والنذرة، وحتى في حالة القبول فإن الموظف لا يعنيه ما يتحصله من مدارك ومعارف بل الأساسي هو الدبلوم، أكثر من ذلك فمن هؤلاء من يستغل الآخرين بدمج اسمه في نشاط ما ليس إلا، مستغلا الرأسمال الرمزي الذي يملكه، مع علمنا أن معظم الأساتذة الجامعيين خصوصا في الهوامش فاتهم الركب، فإذا حضر لايفيد وإذا غاب لا ينتظر.
زد على هذا أن ثمة من يحصل الماستر في إعداد التراب الوطني مثلا، وهو موجز في الأدب الفرنسي، ويدرس في التعليم الابتدائي، فكيف ستكون الوضعية المقبلة لحالة مثل هاته، وخلافها كثير، هو العبث إذن، فحتى إذا افترضنا أن الموظف نجح في المباراة، فالقانون يلزمه بالتكوين لنيل شهادة الأهلية للتدريس، وإلا فإن القانون أصبح فارزا معسرا كسيرا لحالات متماثلة لا فرق بينها قطعا.
ومما لا مماحكة فيه، أن المجتمع الذي لا يحترم القانون هو مجتمع غير منضبط سياسيا وأخلاقيا، فدارسو اجتماعيات الانسان من خلال نماذج مقارنة بينوا ما لاحترام القانون من فضائل شتى، فالمجتمع الياباني مثلا يوسم بأنه مجتمع منضبط إلى أبعد الحدود، ومأتى ذلك هو احترام القانون، الشيء الذي ضمن استمرار الاستقرار السياسي والاجتماعي، بل إن ذلك سبب من أسباب نجاح الاصلاح الذي أقيم في "عصر الميجي"،إذ كان من اليسير على زعماء الاصلاح التعامل مع مجتمع منضبط خاضع للقوانين ملتزم بها( راجع بهذا الصدد، محمد أعفيف، أصول التحديث في اليابان،2010).
اليوم، وقد عادت الترقية المباشرة إلى الواجهة من جديد، فإنه ينبغي على من يعنيهم الأمر الامتثال للقانون والذهاب إلى المباراة قصد اختبار كفاءاتهم في علوم التربية والديداكتيك والتخصص والموارد الرقمية(المعلوميات)، والمباراة هي الكفيلة باصطفاء من يستحق من غيره،مع فهمنا واستيعابنا أن الذي أدى إلى هذا هو حالة الاستثناء التي لجأ إليها المخزن سابقا في الترقية وفي التوظيف.
تحالفت إذن إرادة المخزن العتيق مع أسقام المجتمع، فأنتجت ما نحن فيه اليوم، عقل متوقف وتعليم متخشب، فالمخزن جعل من التعليم كاحتلاب الضروع، متحكم فيه لا يوجهه إلا فيما يخدم مصالحه، مفسدا إياه بما أوتي من آليات، منها هذه التي أشرنا إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.