منذ تحمل حزب العدالة والتنمية المسؤولية السياسية عن التدبير الحكومي بالمغرب سنة 2011م والحزب يواجه عاصفة إعلامية وسياسية من جهات يحسبها البعض مشوشة على الحكومة ومفرملة للإصلاح، وجهات واسعة من المواطنين ربما لم يرقها حسب وجهة نظرها الحسم في بعض الاختيارات اللاشعبية المرتبطة بالزيادات في بعض المواد الاستهلاكية، وكذلك الزيادة في سن التقاعد. وربما يدرك البعض وربما لا أهمية تلك القرارات اللاشعبية في تحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية للميزانية العامة للبلاد، وخطر عدم اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت السريع والمناسب، خشية إفلاس المالية العمومية وما يمكن أن يمهد له ذلك من تدخل حجري للبنك الدولي والجهات الممولة والمقرضة للاقتصاد الوطني. لكن من الضروري عدم كبح كل المعارضين والاستماع إلى صوت الحكمة من بين أصوات المشوشين أو المعارضين المتعالية، فلا شكل أن تطبيق نظام الزيادة في سن التقاعد قد لا ينطبق على الحالة المغربية التي ترهقها التكاليف اليومية للإدارة المغربية، أو اختلاف سن الوفاة بين المسلمين وغيرهم كما حددها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي بين الستين والسبعين"، حتى نتفادى وفيات الموظفين على مقاعد العمل. وربما ينبغي البحث عن حلول مالية أخرى غير تلك المرتبطة باستمرار مدة العمل. وقد اعتبر البعض أن مسيرات التلاميذ احتجاجا على برنامج مسار موجهة سياسيا ضد الحكومة، وقد يصدق هذا في نطاق محدود، لكن الاحتجاجات كانت متوقعة بالنظر لتقصير وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والنيابات التابعة لها في إصدار التوضيحات والمذكرات اللازمة بخصوص البرنامج، خاصة في رأب الفارق الواضح بين النقط الواقعية للتلاميذ وتلك المستدركة من طرف الأساتذة حتى من خلال نقط الأنشطة المندمجة. التلاميذ خرجوا بالنظر لوجود تخوفات مشروعة، وهواجس ومشاكل كثيرة في المنظومة التعليمية، كانت ولازالت بحاجة للدراسة والبحث، حتى ننسب الخلل لأنفسنا نحن المشرفين على هذه المنظومة بدل أن ننسبه للمعارضة السياسية. وبالتأكيد فإنه بإمكاننا أن نتساءل عن ضعف الوجود الافتراضي لوزارة التربية الوطنية على الفايسبوك والذي ترك المجال واسعا لترويج الإشاعات ضد برنامج مسار. هذا الفايسبوك الذي أصبح يأخذ قسطا زمنيا واسعا جدا من وقت تلامذتنا لدرجة استحوذ على أفكارهم وسهل اختراقهم حتى من خلال بعض المقولات التي لا تستند إلى أساس منهجي أو علمي. وإنني لأجد أحد تلاميذي في العلوم الرياضية أكثر وجودا في الفايسبوك حتى أصبحت هذه الشبكة تسكنه أكثر من حرصه على بذل المجهود العلمي المنزلي المطلوب. عموما فقد مر مسار بمسار صعب قبل الولادة نهاية الدورة الأولى، ولازال بحاجة لمزيد من التصحيح التقني لتجاوز عدد من اختلالاته، والانفتاح على التلاميذ من خلال كشف شفاف لنقط المراقبة المستمرة وهي مرحلة ديموقراطية مهمة في مسار "مسار" لاشك أنها ستحدث هي الأخرى ضجة كبرى. كما أثارت مباريات الترقي بالشهادات الجامعية ضمن موظفي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تهجما غير مسبوق للأساتذة المقاطعين للمباراة أو المعترضين على طريقة تنظيمها، وقد صبوا جام غضبهم على حزب العدالة والتنمية الذي يقود الدفة الحكومية، وفي أحيانا أخرى على إطاره النقابي الموازي، بعد أن أقدم بعض المقاطعين على حرق بطاقات الانخراط بهذه النقابة بدفع من إطارات نقابية أخرى بعد أن سموها نقابة اللاعدالة واللاتنمية. ومن المفيد جدا أن نبسط مقولات كل طرف استجلاء للحقيقة بالنسبة لمباريات الترقي بالشهادة، والتي انقسمت إلى قسمين: قسم خاص بالترقية بالإجازة من السلم التاسع إلى العاشر في نفس السلك سواء منه الابتدائي أو الإعدادي بالنسبة حاملي الإجازة لسنتي 2012 و 2013 أو المرسمين خلالهما، وقسم خاص بتغيير الإطار والترقية إلى الدرجة الأولى "السلم 11" من السلك الابتدائي أو الإعدادي إلى الثانوي التأهيلي عبر شهادة الماستر لسنتي 2012 و 2013 أو المرسمين خلالهما، وكلا الفئتين عبر مباريات شفوية أمام لجنة مختلطة مكونة من عدد من المفتشين والأطر العليا للاختبار حول الإطار المعرفي والمنهجي لمادة التخصص حسب السلك المطلوب. كان الطرح بالنسبة لغير المقاطعين ومن يدعمهم هو أن واقع القبول بالمباراة هذه السنة، ينطلق أساسا من غياب المقارنة مع وضعية المعطلين التي كان يجري الاستناد عليها في وضع حجية رفض المباراة بالنسبة للحكومات السابقة، خاصة أنه تم إلى حدود حكومة الأستاذ عباس الفاسي توظيف حملة الماستر بشكل مباشر في قطاع التربية الوطنية بالسلك الثانوي التأهيلي في الدرجة الأولى "السلم11"، في الوقت الذي لم يستفد فيه حاملو ذات الشهادة بقطاع التربية الوطنية بالسلكين الابتدائي والإعدادي من نفس الامتياز. وهو الأمر ذاته الذي كان يسري على حاملي الإجازة في التوظيفات المباشرة أو مباريات الولوج لقطاع التربية الوطنية الذين كان يتم ترتيبهم في السلم العاشر بشكل أولي وتلقائي، في حين كان يتم مواجهة حاملي الإجازة بقطاع التربية الوطنية بالقوانين الخاصة بالترقية الداخلية والتي تعتمد الترقي عبر المباراة أو الاختيار لا غير، وهو الأمر الذي تم تجاوزه عبر جملة من رسائل الاستثناء للوزير الأول حينها، استثناء على كل القوانين الجاري بها العمل، تمكينا للمعنيين من حقهم، وتجاوز واقع التناقضات التي كانت تطرحها التوظيفات المباشرة مع واقع الموظفين حينها. ولعل المقارنة بين ترقية موظفي التربية الوطنية والتوظيفات المباشرة قد استمرت إلى حدود فوج المجازين وحاملي الماستر 2010 والمرسمين خلاله، حيث طالب منسق هذه الفئة الأخيرة السلطات المسؤولة حينها بتمكين فوجه من ذات الامتياز الذي تحصل عليه المعطلون حينها، والذي تمثل في استمرار العمل بنظام التوظيفات المباشرة إلى حدود نهاية سنة 2011، حيث تمكن أطر وزارة التربية الوطنية بالمقابل من خلال تطبيق ذات الامتياز التفاوضي من الترقية بالشهادة دون قيد أو شرط وتغيير الإطار إلى حدود 31 دجنبر 2011، حيث ستبدأ معها للأسف معاناة الأفواج اللاحقة. كما أن هذه الفئة المقبلة على مباراة الترقية بالشهادات تدرك جيدا أن زمن الاستثناءات على القوانين قد ولى بعد دستور 2011 الذي أنتج الحكومة الحالية وليس من إنتاج فكر هذه الحكومة، وهو الأمر الذي كرس مبدأ المباراة للترقي أو تولي مختلف المناصب، وهو الأمر الذي اكتوت بناره أفواج المعطلين من موقعي محضر 20 يوليوز 2011م. وفي غياب التوظيفات المباشرة في الزمن الحكومي الحالي يصعب إيجاد أرضية للمقارنة أو الاستثناء القانوني بين ملف المعطلين وملف الترقية عبر الشهادة بالنسبة لأطر التربية الوطنية، حتى مع تطلعنا لإيجاد حل قضائي لمعطلي 20 يوليوز يتجاوز المعضلة الدستورية والقانونية، ويقدم الحلول الاجتماعية المطلوبة لعدد من الأسر المغربية. من الجهة المقابلة، من فئة الأساتذة المقاطعين لمباريات الترقية بالشهادة والذين ينبغي احترام رأيهم وتقديراتهم فإنهم يرون أن مسألة الترقية بالشهادة دون قيد أو شرط معركة نضالية قديمة قادتها الأفواج السابقة لا ينبغي أن تتوقف عند فوجهم من خلال القبول بما سموه مباراة الخزي والعار. وأن الترقية بالشهادة ينبغي أن تستمر بشكل تلقائي إسوة بالأفواج السابقة على اعتبار أن الشهادة في حد ذاتها اعتراف من الدولة ذاتها بالكفاءة العلمية لهذه الأطر وأهليتها في تدريس السلك التأهيلي المطلوب. وبين هذا وذاك ربما يضيع صوت الحقيقة ويتصاعد فيه ترويج الإشاعات، ويعلو صوت الأطراف المتشددة من الجانبين، تلك التي تقمع حق المترشحين للمباراة وحقهم في الاختيار لتلجأ للتشهير بهم على صفحات الإنترنيت. وكذلك المتشددون من الطرف الآخر للدولة الذي سارع لقمع بعض المقاطعين للمباراة بعدما لجأ بعضهم للتشويش أو سد مداخل مراكز المباريات. والواقع أن مباريات الترقي بالشهادة التي جرت بعدد من المراكز على امتداد الوطن، عرفت جملة من الاختلالات وجوا اختباريا غير سليم، بالنظر لأجواء الضغط النفسي التي مر بها عدد من المرشحين، وبالنظر للأخطاء المادية التي ارتكبتها الوزارة من خلال إغفال استدعاء عدد من المرشحين، أو استدراك استدعاء عدد من المقاطعين. بالإضافة إلى الاستهتار المقصود والسخرية التي مارستها بعض اللجان وإن على نطاق محدود بعدد من المرشحين سواء منهم المرشحون للترقية بالإجازة أو الماستر. هذا إضافة إلى إغفال الوزارة استدعاء فئة التقنيين والمساعدين التقنيين العاملين بعدد من الأكاديميات والمندوبيات من حقهم في اجتياز هذه المباريات. هذا بالإضافة إلى الإصرار الأعمى للوزارة على إجراء مباراة تغيير الإطار لعدد كبير من حاملي الماستر في تخصص القانون بالعربية ضمن مادة الاقتصاد المفرنسة بالسلك الثانوي التأهيلي، حيث اعتبرت الوزارة أنه التخصص المناسب للشهادة، وهو ما دفع عدد من المقبلين على مباراة الترقي بالشهادة إلى مقاطعتها، أو اجتيازها عند بعض المرشحين ضمن ظروف علمية غير مناسبة أو متكافئة. لذلك من المفيد جدا أن تستمع الوزارة والحكومة لصوت العقل أكثر من إصرارها على إمضاء بعض قراراتها الفوقية المشوبة أحيانا بالنقص، الذي يمكن تجويده بتطوير القرارات المستقلية، وتحسين ظروف مباريات الترقي بالشهادات بما يحقق الإجماع، أو الرضى الشعبي المطلوب، وذلك في الجزء الثاني من المباراة شهر أبريل المقبل. كذلك الشأن بالنسبة لطبيعة الصراع الذي نشأ بين الحكومة وحزب العدالة والتنمية والمندوب السامي للتخطيط، بعد التناقض في المعطيات التي أدلى بها الأخير بخصوص الاقتصاد الوطني ونسبة النمو المتوقعة أقل من النسبة المقدمة من الحكومة والبنك الدولي. أمر جعلنا نستفسر لدى بعض المصادر من المندوبية السامية للتخطيط، والتي أكدت لنا الإطار العلمي والميداني الواسع الذي تجري فيه البحوث الميدانية للمندوبية السامية للتخطيط، مؤكدا أن السيناريوهات الاقتصادية التي قدمتها المندوبية السامية تنبني على توقعات لازالت في انتظار تأكيدها بعد نهاية الموسم الفلاحي. وأن المندوبية السامية للتخطيط ربما قد تقدم لأول مرة على النشر الإلكتروني لتوقعاتها في غضون الأربعة الأشهر القادمة. في الوقت الذي ترجي فيه المندوبية السامية للتخطيط حاليا بحثا ميدانيا حول الاقتصاد غير المهيكل. وبالرغم من علو صوت بعض المشوشين على العمل الحكومي، فإنه ينبغي الاستماع لصوت الحكمة ومراجعة مختلف الاختيارات السياسية التي تخلق بعض ردود الأفعال السلبية أو المعارضة، لأنها تنبع من حاجات مجتمعية حقيقية، أو ضغوط اجتماعية قاهرة ينبغي استحضارها تفاديا لأي بواعزيزيات على طريق الإصلاح بالمغرب. ينبغي إذن على الحكومة وحزب العدالة والتنمية والمجلس الوزاري الحسم في الاختيارات السياسية المطلوبة بنفس السرعة والعمق، فإذا كان إصلاح صندوق التقاعد مطلوبا للاقتصاد الحكومي والمصلحة الوطنية، فإن إصلاح العدالة بالمغرب وإصلاح المنظومة التعليمية والصحية أمر ضروري وينبغي إنجازه بالسرعة المطلوبة التي لا تتجاوز الزمن الحكومي، بالنظر لكونها من الأمور الضاغطة على مصالح المواطنين اليومية وتعمق من معاناتهم وجراحهم الاجتماعية. وإذا كان من كلفة انتخابية سلبية سيؤدي فاتورتها حزب العدالة والتنمية والأحزاب المساندة له في التحالف الحكومي، فإن المغاربة لهم حاسة جيدة في التمييز، من خلال إدراك حسابات الربح والخسارة مع هذه الحكومة، ولهم من الذكاء والقدرة على تمييز إنجازات الحكومة تحت إشراف جلالة الملك وتوجيهاته ودعمه، ما يكفي لتقديم الجزاء الانتخابي مقابل العمل الحكومي الجاد، والحفاظ على الانتماء القاعدي وقدرة الاستماع المتواصلة لمشاكل وهموم المواطنين المغاربة.