فاطمة وأفقير، قضت أزيد من 17 سنة مع أبنائها رهن الاعتقال بسبب تورط زوجها محمد وأفقير في محاولة قلب نظام الحسن الثاني في 1972. ولم تفلح في الهرب سوى في بداية التسعينيات .وعاشت في المهجر قبل أن تقرر العودة بعد تفجيرات 2003 والاستقرار بمراكش. في هذه الحوار الذي خصت به أسبوعية "أكتييل"، وترجمته يومية "أخبار اليوم"، تقول أوفقير إن الملك الحالي كان مستعدا للقيام بإصلاحات كبيرة ثلاثة أشهر بعد توليه الملك لكن هناك من حال دون ذلك. أكدت لي صديقة مشتركة في أحد الأيام أنها لا تعرف أحدا يحب المغرب كما تحبينه. هل هذا صحيح؟ أعشق المغرب، ويستحيل العيش من دونه. لقد عشت لمدة ثماني سنوات في باريس وكنت أحس بالاختناق، فقررت العودة لما وقعت الهجمات (التي تعرضت لها الدارالبيضاء في ماي 2003). إذن عدتي بسبب الهجمات؟ ... في تلك الفترة، كان يتعين على المغاربة الذين يحبون المغرب حقا العودة. فإما نرحل وإما نعود.. وأنا، ابنة البحر، قررت الاستقرار بمراكش بعيدا عن الرباط. أنت تحبين المغرب. ولكن ماذا عن المغاربة؟ أنا أحب المغاربة، ولكن الالتباس يشوب نظرتي إليهم.. أجد صعوبة في فهمهم، فأنا أنتمي إلى جيل قديم وأتذكر مغربا لم يعد موجودا. ما هي الأشياء التي لم تعد موجودة؟ كل شيء. طريقة تقبل الأمور، أن يكون المرء سعيدا بما لديه. فاليوم أصبح لدينا كل شيء وليس لدينا أي شيء في الوقت ذاته. نطلب دائما شيئا آخر.. أحس بأنني بعيدة عن الناس الذين أسعفني حسن الحظ أو سوء الحظ بلقائهم. هل هم ماديون أكثر مما كانوا عليه في الماضي؟ لا، ليس حتى هذا. فاليوم يفرض عليك المادي نفسه. المؤسف أنه لم يعد لدينا ما يمكن أن نقوله لبعضنا البعض. لقد توقفت عند صورة جامدة، تلقيت فلاشا واحتفظت به في عيني. ولا أجد في نفسي قدرة على التأقلم مع هذه المشاهد الجديدة، هذه التفاهات، وهؤلاء الناس الذين لا ينتبهون إلى ما يفعلونه، ولا يلقون بالا لمن هم حولهم. إذن غياب السلوك الحضري هو الذي يغضبك؟ لم يعد الناس يخافون من أي شيء، ولا يخافون بالخصوص من أن يؤذوك، ولا يخشون الفظاظة أو قلة التربية... أما نحن فكانت لدينا مبادئ.. لقد صار السلوك غير الحضري كونيا تقريبا، ولكن المشكلة في المغرب أن الشعب ترك لحاله، فالطفل المغربي يخرج إلى الشارع مند أن يولد، ولا أحد يفرض عليه أن يدخل إلى البيت في وقت محدد. واختفى المبدأ الذي كنا نتعلمه نحن: «أنت تعمل لكي تعيش». لم يعد اليوم العمل قيمة في حد ذاته... هل المغاربة ينقصهم الطموح؟ إنهم يخنقون طموحاتهم لأنهم يدركون أنهم لن يبلغوا ما يصبون إليه. إنه مرض القرن لأن الوضع نفسه ملاحظ في كل مكان. فالجميع ينخرط في الدراسة دون أن يكونوا متيقنين من المستقبل. ولكن هنا في المغرب لم نعد حتى نحصل على تكوين.. وحتى الذين يكون لهم تكوين فمستوى هذا التكوين يكون متواضعا. فحتى الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب شهادات معطلين يجهلون تحليل مقال صحافي. إذن ماذا يعجبك في هذا البلد؟ أحب هذا البلد، ولكنني صارمة. ففي عائلتي الصغيرة لا أكف عن قول «لا تفعلوا هذا ولا تفعلوا ذلك».. فأنا لا أتحمل التهاون، وبالتالي فبالنسبة إلى بلدي أكون صارمة أكثر. ربما في الماضي كان هنا تهاون أقل ولكن المغرب لم يكن جنة مع ذلك... حالفنا الحظ وعشنا في الجنة مثلما هو الحال مع كل بلدان العالم! حتى في فرنسا كانت الخمسينيات والستينيات هي سنوات الذروة. وفي المغرب كان علينا اكتشاف كل شيء، وكانت تحذونا طموحات كبيرة، كانت لدينا أحلام لم تعد للأسف لدى الشباب اليوم. مع ذلك للشباب اليوم أحلام يعبرون عنها في الشارع... هذه الأحلام هي أحلامي كذلك، فأنا أيضا أرغب في مزيد من الديمقراطية ومزيد من الحرية والمساواة. أحلم بألا يكون هناك الأغنياء والفقراء. إن حركة 20 فبراير مناسبة سانحة ولكن بشرط ألا تحدث انفلاتات، ولا تتطور الأمور إلى نزاع سيعيدنا عشر سنوات إلى الوراء... ولما سمعت الخطاب الأول للملك (الخطاب الموجه إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي)، وقال إنه لن يرد على الديموغاجية، وهو خطاب يشبه خطب الحسن الثاني، اعتراني الخوف.. وقلت مع نفسي «لقد ضاع كل شي إن فهم الأمر بهذا الشكل». ثم فكرت وقلت إنه رجل ذكي، ولم يأت إلى الحكم ليقوم بهذا الأمر.. ليقمع ويهدم شعبا.. لقد جاء لينجز مهمة أخرى. ثم جاء خطاب 9 مارس الذي فاجأني وغمرني بالسرور. هذا الملك يريد أن يعطي، ولكن هناك من هم أكثر ملكية من الملك. طبعا سيكون الأمر صعبا لأنه كما يقول فيكتو هوغو «الملك يتنازل لما ينتزع الشعبُ» (le roi lâche quand le peuple arrache) وهذا أمر طبيعي. فلما تسلم زمام الأمور وجد أمامه حكما مطلقا فحافظ عليه. جرب الأمر على مدى 12 سنة وانتبه إلى أن الوضع سينهار فتحلى بالذكاء الكافي ليتنازل. ما هو تقييمك لهذه السنوات ال12 من حكم محمد السادس؟ هناك أمور كثيرة لا أتفق معها، ولكن كنت أتوقع ما حدث. فأنا أبلغ من العمر 75 سنة، وعشت كل فترات الحكم التي مرت على هذا البلد منذ الفرنسيين. وعشت حياتين، واحدة خلف الأسوار وثانية خارجها. وحتى إن لم أكن أخالط الشارع، فأنا أتابع الوضع، وكنت متأكدة بأن شيئا ما سيحدث... في كتابك تقولين «إن محمد الخامس دفعنا 50 سنة إلى الأمام والحسن الثاني عاد بنا خمسين سنة إلى الوراء»، ماذا عن محمد السادس؟ لقد قام محمد السادس بعدة إنجازات، ولكن هناك «لكن» كبيرة. فلا يمكنك أن تقود بلدا وتكون لديك كل السلط وتتحلى ببعد النظر. فلما تكون لديك كل السلط، لا شيء يكون واضحا. فالناس يقولون لك ما تود سماعه. فهم يخشون مصارحتك بالحقيقة لأنك لا تود سماعها، ولما تنظر إلى الأمام، لا ترى الأشجار والناس الذين تركوا على جانب الطريق، لكن هؤلاء هم الذين يحاكمونك... هناك انزلاقات كبيرة، الفساد بلغ ذروته.. فالشرطي يوقفك ويطالبك ب100 درهم وإلا فإنه سينزع أربع نقط من رخصة سيارتك. نعم، ولكنك لم تجيبي عن سؤالي: هل نتقدم أم نتأخر؟ هناك تقدم ولكن بعض الأمور تعود إلى الوراء، فالفساد استشرى أكثر مما كان عليه في الماضي، والناس لم يعودوا يخشون أي شيء وتخلوا عن أي انضباط، ولا يحترمون القانون. نحس بأن شيئا ما يغلي.. الناس يريدون مزيدا من الحرية.. ولكن كيف يمكن تكريس الديمقراطية؟ فهذا الأمر لا يكتب على الورق. هناك من يقول إن الشعب ليس ناضجا بما يكفي لتقبل الديمقراطية، وآخرون يلحظون أنه كلما كانت لدى الناس مطالب فهم يتوجهون مباشرة إلى الملك وليس إلى المنتخبين... نعم، لأنه يتمتع بكل السلط. والشعب يدرك أن الملك هو الوحيد القادر على منح الديمقراطية. ونحن نرى ما فعلته الأحزاب السياسية بهذا البلد، فلا أحد يثق بها. في الانتخابات الماضية صوت عليهم 37 في المائة، وهم الآن يقودون البلد بهذه النسبة الهزيلة! فهي مثل الحملان أو الخرفان، فلما يكون لديها مشروع ما فهو (الملك) الذي يفتتحه أما هي فلا وجود لها. ما هي الديمقراطية في آخر المطاف؟ أولا: توفير عمل، ثم سكن، والعناية الصحية وتوفير تعليم للأطفال. فلما توفر هذه الأمور للناس، فهم يصبحون بشكل آلي ديمقراطيين، حتى وإن كانوا أميين. برنامج مثل هذا يمكن أن يتطلب جيلا كاملا... وهذا أصعب شيء، وليس تغيير القوانين التي لن تطبق أبدا. فلن نبلغ الديمقراطية بين ليلة وضحاها. ولكن في انتظار ذلك، يجب النهوض بمهمة تربية وتعليم الشعب بدل بناء المحطات السياحية الشاطئية بفيلات تبلغ قيمة الواحدة منها 5 ملايين درهم ولا تستعمل سوى مرة واحدة في السنة! إن هذه الثروات التي يتم صرفها لا يستفيد منها الفقير، ف85 في المائة من الشعب لا يستفيد من أي شيء، وهؤلاء هم من سيتسبب في البلبلة. هل تخشين وقوع اضطرابات؟ لم يعد للناس ما يخسرونه، وإن لم ينفجر الأمر الآن فسينفجر بعد ستة أشهر. الناس في حاجة إلى الشغل. انظر إلى الشباب في الشوارع الذين لا يملكون شيئا ولا ينتظرون سوى حلول الظلام للسرقة. لا يمكنك في ظل هذه الظروف أن تطالب بالديمقراطية وكأن كل شيء على ما يرام. إن الدستور الجديد، رغم نواقصه، يسير في اتجاه توسيع سلطات الحكومة والبرلمان، وفي اتجاه نوع من الفصل بين السلط السياسية والقضائية، أي أنه يسير في اتجاه مزيد من الديمقراطية... ولكن هذا لن يغير أي شيء في وضع الشعب، هذا الفصل بين السلط... ثم إن القضاء فاسد، ولدي صديق مقاول في الدارالبيضاء تم توقيفه وهو يحمل غرامين من المخدرات، وقال له ممثل النيابة إنه سيخلصه من القضية مقابل بعض المال، فوجد نفسه يدفع 60 ألف درهم مقابل غرامين من المخدرات! حتى لا يتعرض للمتابعة، وإلا واجه الفضيحة وفقد شركته. ألم يحقق الملك أي تقدم؟ ما يقوم به الملك اليوم كان يمكن إنجازه قبل عشر سنوات. هذا ما كان يريده والده. يمكن أن نؤاخذ الحسن الثاني على كثير من الأمور، ولكنه أرسى قواعد الملكية. لقد سلم قيادة الطائرة وعبّد ممر الهبوط، ولم يكن على محمد السادس سوى الهبوط ثم معرفة الاتجاه الذي عليه اتباعه. كان مستعدا للقيام بذلك، ولكنه تراجع. في الأشهر الثلاثة الأولى من ملكه كان يمكنه الذهاب بعيدا، ولكن هناك من حال دون ذلك. واليوم أتساءل إن لم يكن الوقت فات. هل ستنفع الديمقراطية في شيء ما؟ ما يحتاجه المغرب هو 50 مليار دولار لإعادة الانطلاق، وليس منح الأغنياء فرصة ليزدادوا ثراء. هل مازلت ملكية؟ نعم أنا ملكية بعمق، لأنها الوحيدة الكفيلة بقيادة كل الإثنيات التي يتكون منها المغرب.. فالملكية هي الوحيدة القادرة على هذا الأمر.. ملكية دستورية كما يريدها (الملك) هذا رأيي ورأي كل المغاربة الذين لا يريدون الانجراف إلى العنف... هل قابلت الملك محمد السادس من توليه الحكم؟ لا. يجب أن تأتي المبادرة منه وليس مني. أنا أود ذلك ولكنه لا يريد. لقد تربى على فكرة أننا أعداء العائلة الملكية. أعتقد أنه يعرف أن هذا غير صحيح. ولكن أتفهم موقفه. إنه إرث ثقيل ومزعج، ووالده لم يصحح الوضع قبل أن يرحل. كان مسؤولا عما جرى، وكان يتوجب عليه حل كل المشاكل: مشكلنا نحن ومشكل الصحراء.. لقد ترك له مسمارين قاسيين. لقد سبق لك أن أبلغتِه برغبتك في مقابلته؟ نعم، فقد راسلته، ووعدني بأنه سيقوم بذلك، حدث هذا قبل ثلاث سنوات، ولكن ليس في صالح أحد من المحيطين به أن نقترب منه، فهم يفضلون أن نظل أعداء عن بعد. ولو كنت أمامه، ماذا كنت ستقولين له؟ لست مسيسة، أو أنا كذلك ولكن بطريقة مختلفة بحكم الظروف. لا يمكنني أن أحدثه سوى عن وضعي. فاليوم نعيش أنا وأبنائي يوما بيوم. لقد شرعت في بيع مذكراتي، أنا في وضع صعب.. ولكن لا يمكن أن أصارح أحدا بذلك. وأفضل البقاء في بيتي على رؤية الأشخاص الذين وفرت لهم وسائل النجاح وصاروا اليوم مليارديرات.. هذا ليس من باب الحسد، بل هو اختيار.. أفضل التواري عن الأنظار.. لقد أخذوا منا كل شيء. الكل سرقنا.. لن أتحدث عن أي شيء آخر غير هذا.. لن أقول له «أصبتَ في هذا وأخطأتَ في هذا»، لأن هذا الأمر ليس شأني....