«الصحفي يولد والكلمة في فمه، والقلم في يده، والفكرة في رأسه» (مَثلٌ شائعٌ) كتبَ أحدُ "الصحفيين" المحليين مقالة حول الإعلام الإلكتروني، واضعاً إياهُ بين التنوير والتقنين والأحكام الجنائية، ناشراً عياها في إحدى المواقع الالكترونية المحلية. وقد هوَّلَ فيها وضخَّمَ من نصٍّ وردَ في إحدى أعداد جريدة ورقية وطنية، الذي انطلق منه، دون إحاطة بسياقه، فأخذ منه ما يتعلَّقُ بجريمة ‘‘انتحال الشخصية'' التي يُحاسِبُ عليها القانون الجنائي المغربي. ولعلنا لا نختلفُ في أنَّ ‘‘انتحال الشخصيةِ'' جريمةٌ فصَّلَ القانون في جزائها. لكنَّ ربطَ هذه الجريمة بمن يكتبُ في المواقع الالكترونية المحلية من أقلامنا جانَبَ الصوابَ، وفتحَ البابَ لمن يبحثُ عن منفذٍ غير موجود، فإذا عدنا إلى القانون رقم 21.94 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين، فإننا نقرأ في المادة 11 منه: «يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي فيما يتعلق بالتزوير واستعمال الوثائق المزورة، كل من أدلى عمدا بتصريح غير صحيح قصد الحصول على بطاقة الصحافة، أو استعمل بطاقة منتهية مدة صلاحياتها أو ملغاة، أو انتحل لغرض ما صفة صحفي مهني أو من في حكمه دون أن يكون حاصلا على بطاقة الصحافة، أو قام عمدا بتسليم شهادات غير صحيحة أو بطاقات لها من الشبه ما يحمل على الخلط بينها وبين بطاقات الصحافة المنصوص عليها في هذا القانون». ولستُ أعلمُ، فيما أعلمُ، أنَّ بيننا ممن هو معروف بكتاباته محلياً، من قدَّمَ نفسَه يوماً، في نقله لخبر، أو تصويره لحدث، أو نشره لتقرير، أو تحريره لمقالة رأي، قد قدَّمَ نفسَه على أنَّه ‘‘صحفيٌّ مهنيٌّ''، بل ما أعلمُه أنَّ قلمَه من قدَّمَه للمواطنين، وأنَّ المواطنين هم من بحثوا عن قلمِه لإيصال همومهم عبرَه، أو عن آلةِ تصويره لتصوير معاناتهم لمن يدَّعون أن الأمطارَ غزيرةٌ، والنسلَ مباركٌ، وما هي إلا سنواتٌ عِجافٌ. ثمَّ إنَّ من يكتبُ، لا ينبغي أن نتَّهِمَه بتهمة ‘‘انتحال الصفة'' ما دامَ يمارس حقه في التعبير الذي تخوله له كلُّ المواثيق الدولية، والمتمثل في "حق الإنسان في التعبير". ودستور البلاد ينصُّ بصريح العبارة بأنَّ: «للجميع الحق في التعبير، ونشر الخبر والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينصُّ عليها القانون صراحة» (الفصل 28 من الدستور المغربي). كما أنه يمارس حقه في الوصول إلى المعلومة الذي ينص عليه الدستور دائماً في الفصل 27، والذي جاء فيه: «للمواطنين والمواطنات حق الوصول إلى المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العمومي». وما كتبتُه صاحبُ المقالِ يضربُ، في نظري، في هذه الحقوق المكفولةِ لكل إنسانٍ بموجبِ العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وفي ما حققه الشعبُ المغربي من مكتسبات تضمَّنها الدستورُ، وضمِنَها.