تشكل ملفات الفساد والبطالة وانعدام الأمن أكبر التحديات المطروحة أمام حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم بجنوب افريقيا، المدعو بعد وفاة زعيمه التاريخي نيلسون مانديلا الى إحياء الأمل في بناء أمة قوس قزح. ويمر حزب مانديلا، وهو من أقدم حركات التحرر في القارة، بمرحلة عصيبة مع فضائح الفساد المتكررة، و تنامي موجة السخط بين المواطنين. وبرأي المراقبين بجنوب إفريقيا، فإن حزب المؤتمر الوطني الافريقي دعا مرات عدة منتخبيه الى الانخراط المجتمعي، وعدم ترك دوائرهم والذهاب بعيدا بحثا عن اهتمامات أكثر ربحا. وإذا لم يحترموا هذا الالتزام، قد يتم عزلهم من منصبهم من قبل قيادة الحزب. ويروم هذا الإجراء استعادة مصداقية للحزب، الذي بدأ يفقد ، بالرغم من تمتعه بالأغلبية، مناضليه. وقد أثار سوء التدبير غضب المواطنين الأكثر فقرا، الذين، كما في أيام النضال ضد النظام العنصري، لم يترددوا في الاحتجاج داخل الأحياء الفقيرة والدخول في مواجهة مع الشرطة. ولا تكفي الوعود بمكافحة الفساد وربط جميع المساكن بالتجهيزات الصحية والكهرباء لاستعادة ثقة الناخبين، وإنما يتم ذلك بإثبات من خلال إنجازات ملموسة. وهكذا ستكون السنة المقبلة حاسمة بالنسبة لمستقبل الحزب، الذي يجب أن يثبت أنه وريث أولئك الذين لم يترددوا في التضحية بحياتهم من أجل شعبهم، وأن الوصول الى السلطة لا يعني السباق نحو النجاح والإثراء الشخصي . كما تعتبر البطالة من أكبر تحديات الحزب الحاكم والرئيس جاكوب زوما، الذي أعلن في فبراير الماضي عن برنامج مهم يهم البنيات التحتية موجه لخلق فرص الشغل والحد من البطالة التي تهدد أكبر قوة اقتصادية بإفريقيا.وفي الوقت الذي جعلت الحكومة من محاربة البطالة أحد أولوياتها، شكل الإعلان عن أن نسبة البطالة، التي وصلت حسب الاحصائيات الرسمية 7 ر25 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ سبع سنوات، صدمة بهذا البلد. ووفق الاحصائيات الرسمية فإن أربعة فقط من عشرة مواطنين البالغين السن القانونية للشغل، يتوفرون على وظيفة وهذا يدل للأسف، على أن النمو وحده لا يخلق فرص الشغل. ويجمع الخبراء في عالم الشغل على أن الوضع ينذر بالخطر، وأن نسبة البطالة المرتفعة جدا تغذي التوتر الاجتماعي. فعدد الباحثين عن شغل يفوق بكثير فرص العمل المتاحة، وهناك مخاوف من فقدان الوظائف في العديد من القطاعات في الأشهر المقبلة. وبالنسبة لوزارة التنمية الاقتصادية يتطلب الأمر الكثير من الاستثمارات في البنى التحتية، وتحسين وتحديث المصانع والتكنولوجيات الجديدة. ولا يزال انعدام الأمن يشكل عقبة كبيرة لانتعاش الاستثمارات في هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 52 مليون نسمة، وحوالي مليونين من المهاجرين. وبحسب الصحافة المحلية، فقد استوطنت الجريمة المنظمة سنة 2013 في جنوب افريقيا، واتخذت أبعادا مخيفة مع تصفية الحسابات بين زعماء عصابات الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والأعمال غير المشروعة الأخرى التي تنتعش بالبلاد. ووفق المتتبعين، فإن ارتفاع تكلفة مكافحة الجريمة والعنف والشعور بأن الشرطة غير قادرة على توفير حماية كافية ضد الجريمة لا يساهم في خلق بيئة تعزز القدرة التنافسية. وأقدمت وزارة التربية والتعليم في مقاطعة الكاب الغربية في الآونة الأخيرة على إغلاق ست مدارس بعد أن عبر الأساتذة عن مخاوف على سلامة الطلبة بسبب تصاعد العنف بين عصابات متصارعة. وعاد النقاش الدائر حول حمل السلاح في جنوب إفريقيا، وهي من أحد البلدان الأكثر خطورة في العالم بعد كولومبيا الى الواجهة، وذلك نظرا لعدد جرائم القتل بواسطة الأسلحة النارية، لكن لا يبدو أن ثمة حلا فعالا لهذه الظاهرة . وبالنسبة للمراقبين، فإن حزب مانديلا لم يكن أبدا في مثل هذه الحالة السيئة. وبالتالي، فإن جاكوب زوما دافع في تصريحات للصحافة بقوة عن برنامجه. واعترف الرجل القوي في بريتوريا بالصعوبات التي تواجه البلاد حاليا . ومع ذلك ، أصر على أن هناك تغييرات كبيرة في الأفق.