وقع اللّيلة في موقف محرج، ليس محرجاً له أمام النّاس أكثر ممّا هو محرج له أمام نفسه. كان يريد أن يرمي نفايات بقايا ذبيحة العيد وهي معبّأة في دلوين ثقيلي الوزن، إذ يتوجّب عليه رمي الأوّل والعودة للمنزل ليحضر الثّاني ويرميه، لكن المكان المخصّص للنّفايات بعيد عن المنزل بمسافة مائتي متر أو أكثر ولن يتحمّل نقلها إلى هناك لبعد المسافة وضيق الوقت لأن له واجبات أخرى، ولأنّه يؤمن بمبدأ المحافظة على البيئة وقف لبرهة ليبحث عن مكانٍ أقرب يرمي فيه ذلك الكم الثّقيل من النّفايات، بعد بعض التفاتات يميناً ويساراً بحثاً عن المكان وجده أمامه على اليسار قليلًا بجانب الرّصيف وراء سيّارة مركونة ومرميّاً فيه أربع أكياس بلاستيكية للنفايات، لم يذهب مسرعاً بل خطا خطوتين وتوقّف ليفكّر.. ثم قال لنفسه: لا أستطيع رميه هناك فهذا يتنافى مع مبادئي.. فأجابها: ولكن وقتي ضيق والدّلو ثقيلا ثم هناك دلواً آخر ينتظرني.. فاتّخذ القرار ونفّذه وهو أن يضع الدّلو الأوّل هناك - أي في المكان الغير مخصّص - لأنّه مكسور ولن يحتاجونه ثمّ يذهب ليحضر الدّلو الثّاني، ولحسن حظّه وجد في طريقه علبةً من الورق المقوّى لكي يفرغ فيها محتوى الدّلو الثّاني. عند انتهائه تمنّى لو شقّت الأرض لا ليدخل فيها بل ليرمي فيها النّفايات. ما حدث هو سبب إحراجه لنفسه أمام نفسه، لكن هذا لا يحدث له وحده فهناك أشخاص آخرون يفكّرون مثله ويقعون في الفخّ نفسه، فبهذا الحدث ينتج عنه التّفكير في خلفيات هذه الظّاهرة التي تغزو الأحياء - الأحياء الشّعبية خاصّة - والناس الذّين يعيشون فيها. فما هي العوامل التي تتسبّب في ذلك؟ هل هي تقصير السّلطات أم الشّركات المتخصّصة في هذا المجال أم المجتمع المدني بنفسه؟ نعلم جيّداً أن شركات النظّافة هدفها مادّي أكثر ما هو تنموي وما تقوم به من أعمال ما هو إلّا واجب مفروض عليها لأنّها تؤدّى عليه، ونعلم أنها مقصّرة في عملها ولديها مشاكل داخلية مع عمّالها من حيث الأجرة وأدوات الاشتغال - أليس غريبا أن ترى أدوات النظافة ليست نظيفة؟ - وتوقيت العمل أيضاً، إذ رأينا في فترة سابقة تراكم الأزبال وعلمنا أن سبب ذلك هو إضراب العمال. ليس الشّركات لوحدها من لها المسؤولية الكاملة، فالسّلطات ( الجماعات المحلّية ) أيضا مقصّرة كل التّقصير في الأمر لعدم مراقبتها لمثل هذه الظّاهرة أو مناقشتها مع الشّركات المعنية به وهي تاركة لزمام الأمور لها لتخرج نفسها من المسؤولية كخروج المجرم من التهمة بالبراءة. ليس لها هم في المحافظة على البيئة أو جمالية البلد أو المدينة أو الأحياء أيا كانت غنية أم شعبية، بل همها هو شغفها على مدخول الضرائب. لكن المشكلة الكبيرة هي المجتمع المدني - نحن - لا نطالب شركات النظافة بوضع كبسولات النفايات في كل موقع قريب من مجمع سكني، أه لقد نسيت أن هناك أناس أنانيين يبعدونها عن الرصيف القريب من منازلهم لأن الرائحة تزعجهم - هذا ما رأيته بأم عيني وأيضا بشهادة عامل النظافة تحدثت معه في هذا الموضوع حيث يوميا وزملائه يكدّون ويجمعون الأزبال من الأرض مستغرقون وقتاً طويلاً فيه، فأحييهم في هذا المقال على مجهودهم الذي يأجرون عليه بأجرة بخسة - وفوق ذلك يرمون الأزبال في أي مكان بجانب الرصيف أو يلفقونه للجار، إن هذا النوع من البشر ليس له مبدأ ووعي بحسن الجوار وهدفهم هو تخليص منازلهم من النفايات. لنرتقي إلى الأحسن لنعيش في بلد وعالم أحسن..