على مرمى حجر من ساحة البريد، حيث كنا نجتمع لننطلق، ثم نعود لنفترق، هناك في وسط العاصمة الرباط، حيث تترامى غير بعيد المدينة بوزاراتها البئيسة، وبرلمانها الكئيب الذي يلوح لك بقبته من بعيد وسط أعرق شوارع المدينة، هناك حيث المماطلة والتسويف تتلبد كغيوم قاتمة في سماء العاصمة، حيث الوعود الكاذبة تزين الساحات كنخل باسق دانية قطافها، تنتظر أيادي معطلة علها تقتطف ثمرة (وظيفة) تنسيها ذلا ومهانة جاثمين على الصدور، علها تمسح دمعا لازالت آثاره على الخدود بادية للعيان، وحيث العصا والهرماكة المخزنية ترشم بإتقان أجساد كل من سولت له نفسه رفع لافتة أو شعار، وإن كانت المطالب ولو اجتماعية محضة، فبسرعة أخف من سرعة البرق يعبأ الرصيد ومباشرة من لدن أقرب مخزني وفي الحين بالهرماكة والعصا، "ماكاين غا الضوبلاج والتريبلاج"، "كلها كيدي نصيبو ثالث ومثلث". فمنذ يوم الجمعة 20 ماي يوم افتتاح مهرجان اللاموازين إيقاعات السخف، استحالت الساحة وأصبحت بعيدة المنال من أن تطئها أقدامنا، أو أن تجمع من جديد حلقياتنا، أو أن تلتف حول جذوع نخيلها لافتاتنا ، أصبحت محاصرة من كل مداخلها وممنوعة في وجه كل من اشتبه فيه أنه معطل إطارا كان أم مجازا، بل في وسطها أصبحت العصا والهرماكة سيدة الموقف بامتياز، ( وسعدات اللي ما جات فيه حتى دقة)، فالساحة خاصة أصبحت منصة متفردة تخصصت في مهرجان موازين إيقاعات الهرماكة، كما ان العاصمة أصبحت ثكنة بمعنى الكلمة، رجال الأمن ورجال القوات المساعدة حيثما حللت، ناهيك عن أناس بالزي المدني لا ينتابك أدنى شك أنه رجل أمن، فمن الوهلة الأولى تحس بذلك وتستشعره، بينما سيارات التدخل السريع مرابضة بكل زقاق، بكل شارع، بكل ساحة، الكل في حالة استنفار قصوى، كل هذا من أجلك يا شاكيرا ومن سيقدم معك، فلتقروا عينا ضيوف موازين، لأجلكم تستنفر كل قوى الأمن بالبلاد، ولأجلكم تمنع مسيرات المعطلين،بل لأجلكم يطارد كل معطل حتى تقطع أنفاسه، وإن تمكنت منه الهرماكة فعن (زردة العصا) حدث ولا حرج، ولأجلكم هاهي ساحة البريد محاطة من كل الجوانب بعسس أفرغوها من محتواها، منعوا عنها أناس أحبتهم وأحبوها، فطيلة تواجدك يا شاكيرا ومن معك من مهرجي العالم، ستسيج الساحة بلا سياج، وطوال فترة تواجدكم في بلدنا لإحياء حفلا ت العري والمجون مقابل ملايين الدراهم، لن تكون الساحة لا مقر اجتماعاتهم وحلقياتهم، ولا منطلق مسيراتهم ولا منتهاها....... كم نحن لك ساحة البريد، هناك تعرفنا على معطلين أمثالنا، أناس لا يكلون ولا يملون، تشاركنا فيك الحلو والمر، عقدنا فيك حلقياتنا تحت أشعة الشمس الحارقة وقطرات المطر المتهاطلة، لم تتطلب اجتماعاتنا فيك لا كراسي مريحة ولا طاولات مستديرة، كتلك التي في المكاتب المكيفة التي يرفل في نعيمها مسؤولي حكومتنا العاجزة، أو كتلك التي تحت قبة برلماننا المجمدة عضوية ساكنيه حتى إشعار آخر، يدَّعون أنهم ممثلي الشعب، والشعب براء منهم ومن تمثيليتهم المزعومة، فهم لا يمثلون إلا أحزابا أكل الدهر عليها وشرب، بل إنها أحزاب منتهية الصلاحية تماما (بيرمي)، يتزعمها (شخصيات) كراكيز همهم مصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم السياسية، أما المواطن البسيط فلا يعيرونه أدنى اهتمام، بل لا يعلمون بوجوده إلا عند الاستحقاقات الإنتخابية قبحهم الله وقبح سعيهم، حيث يعولون على صوته وهم في صراعاتهم ليس لخدمته هو وخدمة مصالحه، و لكن الصراع يحتدم في حقيقة الأمر وتقوم الحروب الباردة السرية والعلنية، من أجل تحقيق أغلبية زائفة تخولهم السبق نحو كراسي الوزارات المريحة ومكاتبها المكيفة، فطوبى (ياحسرة) لمن نافق وزور واشترى أصواتا يمتلك بها "شرعية" مزيفة، تمكنه من وضع اليد على أرزاق البلاد والعباد فيسيح فيها نهبا وبذخا وتبذيرا، بلا محاسب ولا مراقب......... فمتى يرفع عنك الحصار ساحة البريد؟؟؟؟؟ متى؟؟؟؟ أم علينا أن ننتظر نهاية مهرجان اللاموازيين ثم ترحل شاكيرا ومن معها من الضيوف بلا رجعة، لتعود تعبئة الهرماكة عادية