في سنة 1967 حاربنا اسرائيل بجيوش عربية ضخمة العدد ( أساسا جيوش كل من مصر و سوريا و الأردن )، فانهزمنا في ظرف وجيز، تقهقرنا في ستة أيام، و سميت تلك الحرب بالنكسة، حيث أفضت نتائجها إلى احتلال إسرائيل كل من سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان . كثير من الناس آنذاك أصابهم الرعب و الذعر لهول ما حدث، لم يستسيغوا هزيمة دول كبيرة و عريقة أمام كيان ناشئ و لقيط. بعد ذلك توالت النكبات و الخسائر. و لتفسير تلك الهزائم المتتالية راح البعض يردد مقولة : اسرائيل دولة لا تقهر !! لم يدرك العديد من المحللين العسكريين و السياسيين أن الهزيمة كانت نتيجة غياب جيوش حقيقية تملك عقيدة الدفاع عن الأرض و العرض. لم يدركوا أيضا أن الأنظمة الاستبدادية التي أتت على ظهر الدبابات ( الانقلابات التي حدثت مثل : انقلاب 8 مارس 1963 في سوريا، و انقلاب مصر 23 يوليوز سنة 1952 ) لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقيم جيوش وطنية همها الوحيد الدفاع عن الأوطان من شر المغتصبين. فبناء الجيوش في العالم العربي كان يهدف إلى حماية أنظمة الاستبداد القائمة بل بالأحرى حماية الدكتاتور الحاكم و من معه من الزمرة الفاسدة ، هذا الخلل في البناء جعل الجيوش العربية تعاني من ضعف شديد. بعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها الجيوش العربية، و بعد السلام المر مع الكيان الصهيوني ( اتفاقية كامب دافيد مع مصر سنة 1979 ، و اتفاقية وادي عربة مع الأردن سنة 1994)، بعد كل تلك النكسات، اعتقدنا أن تلك المدة الطويلة كفيلة باستعادة الجيوش العربية لبريقها و استعدادها لتحرير الأراضي المحتلة، لكن للأسف، يوم بعد يوم، تزداد خيبتنا. فالجيوش التي كان من المفروض أن تحمي الأوطان أصبحت غارقة في اللعبة السياسية، و يا ليتها مارست السياسة بقواعدها المعروفة. لقد أظهرت تلك الجيوش ولاءها المطلق لنظم الحكم الاستبدادية و لم تتوانى عن قتل شعوبها في سبيل حماية الطغاة. تستأسد على مواطينها، تقصف بالطائرات و الدبابات، تقتل بالرصاص الحي أصحاب الصدور العارية. في المقابل، لم تطلق و لا رصاصة في اتجاه الكيان الصهيوني. فانتفاضة الشعوب سنة 2011 ، و ما تلاها من أحداث متسارعة، أكدت - بما لا يدع مجالا للشك - أن الشعوب العربية أصبحت في العراء، حيث لا تملك جيوشا تدافع عنها، فالجيوش التي كانت بالأمس تحارب ( اسرائيل ) أضحت هي ( اسرائيل ) نفسها و ربما بوجه أقبح و أشنع . تصرفات الجيوش العربية بعد " الربيع العربي " تفسر لنا بشكل كبير السبب الرئيس في هزائم العرب أمام الكيان الصهيوني في الماضي . فاسرائيل التي كانت تحلم بإنشاء دولة كبيرة في الشرق الأوسط أصبحت الدولة العملاقة في العالم، واقعا و ليس فقط في عالم الأحلام و الأماني. لقد توغل الصهاينة في كل شيء في حياتنا : في الاقتصاد، في المجال العسكري، في الإعلام، في التعليم، في السياسة، حتى في تسيير الشأن الديني... يا للعار، كيف سمحنا لأنفسنا بانتشار هذا الفيروس في جسد الأمة. أليس من الأجدر أن نتحرك بسرعة و نقاطع هذا الكيان اللقيط؟ ألم يحن بعد وقت التوحد و مواجهة العدو الحقيقي؟
لقد تخالفنا بشدة حتى تناحرنا و تقاتلنا لأتفه الأسباب ، ثم أصبحنا أضحوكة العالم، و بعنا أوطاننا بأبخس الأثمان حتى أمسينا ألعوبة في يد الحكومة الخفية التي تسير دواليب العالم، هذه الحكومة التي سعت منذ نشأتها في غابر الأزمان إلى السيطرة على العالم و القضاء على الأديان و منها الدين الإسلامي الحنيف، قد تمكنت شيئا فشيئا، من تحقيق أهدافها، ليس لأنها تمتلك عقول خارقة بل لأننا تركناها تعمل وحدها دون أن نلتفت إليها، تركناها تعبث في كل شيء حتى سيطرت على كل شيء و لم تترك لنا إلا الفتات.