تحدثنا في وقت سابق عن الحاجة إلى الفصل بين الآراء السياسية و الخطب الدينية بالنسبة لخطباء المساجد، و الهدف أن يفرق المصلون بين رأي الخطيب السياسي الذي لا يلزم أحدا، و المسائل الدينية المحضة. للخطيب الحق في التعبير عن آراءه السياسية بكل حرية، لكن شريطة أن يتم ذلك انطلاقا من منابر أخرى غير منابر المساجد التي يفترض أن تبقى بعيدة عن الحسابات السياسوية الضيقة. كنا في ذلك المقال قد قصدنا في المقام الأول خطباء مستقلين يحملون أفكارا سياسية أصولية، كما قصدنا خطباء ينتمون إلى حركات، جماعات و أحزاب يعملون بشكل مستمر على تصوير آراءهم أو آراء هيآتهم السياسية للمصلين على أساس أنها إسلام في إسلام، إلا أن صنفا آخر من الخطباء لم نتطرق له آنذاك، و يتعلق الأمر بخطباء يكتفون، أيام الجمعة، بقراءة خطبة وزارة الأوقاف حرفيا. فإذا كانت مساجد المملكة تتعرض لاستغلال فظيع لنشر أفكار معينة لا علاقة لها بالدين الإسلامي الحنيف على يد أشخاص، جماعات و أحزاب، فان أبشع استغلال تتعرض له تلك المساجد يتم عن طريق الدولة نفسها. استغلال الدولة للمساجد أمر لا يمكن لأحد تكذيبه، يحتاج المرء فقط لزيارة أحدها يوم الجمعة ليسمع ما طاب له من تحليلات سياسية مخزنية تتعلق بالشرعية، الإصلاح الدستوري، العلاقات الدبلوماسية، الأوراش الكبرى، التوجهات العامة، البرنامج الاستعجالي... و قد يصل الأمر أحيانا إلى تحريم مقاطعة الانتخابات !! لو كان الأمر يتعلق بالحفاظ على معتقدات المغاربة الدينية من الانحراف أو مواجهة التطرف بخطاب ديني متنور قائم على الاجتهاد، لما اشتكى أحد، أما أن تقوم الدولة بتحويل المسجد إلى أداة دعائية، على غرار باقي الأدوات الدعائية الأخرى، فهذا ما لا يمكن تقبله. قد يتساءل البعض عن الأسباب التي تجعل الدولة تعتمد المساجد لتمرير خطاباتها، الجواب بسيط، عندما تعجز الدولة عن إقناع الرأي العام بواسطة وسائل ديمقراطية، تبحث عن أدوات أخرى تحتكر فيها الخطاب السياسي، فتجد ضالتها في المساجد كما وجدتها في الإعلام. لذلك يقال دائما أن أسلوب الدعاية منهج المستبد، أما الديمقراطي فلا يرضى عن الحوار بديلا. *