بغض النظر عن اسم الرئيس المنتخب ديمقراطيا في مصر بعد ربيع الشعوب أو الجهة التي ينتمي إليها ,فإن ما حدث في مصر الكنانة يعد انقلابا على الشرعية و الديمقراطية والحرية ويعد كذلك سُنة سيئة فعلى من سنها في الدول العربية وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة,وعلى من يوقظ ويغذي الفتن النائمة ويشعل فتيلها اللعنة و وعبأها إلى يوم الدين... لأول مرة في حياتي أسمع رئيس دولة عربية يقر بأن هناك أخطاء مرتكبة من لدنه ويجب تجاوزها, هذا الرئيس الذي فوض من طرف الشعب ليحكم مصر ,وأغلب المؤسسات الموازية في الدولة والدولة العميقة ضده,فقد واجهته ألوان وأشكال من الفساد المتجذر والمتشعب والمتغلغل مند أمد بعيد في هذا القطر العربي الوازن, فساد يعرقل عمله في المؤسسة العسكرية المستبدة, كما أن هناك فساد في مؤسسة القضاء الذي كان من المفروض أن يكون محايدا حتى إذا فسدت باقي مؤسسات الدولة, نفس الشيء في مؤسسة الإعلام المناوئة له فمند انتخابه أظهروا العداء ولم يتركوا ولا فرصة يبررون بها سبب هذا العداء ومع ذلك لم يغلق قنواتهم المغرضة عكس ما وقع بعد الانقلاب الغاشم مباشرة,أضف إلى هذا كله الدولة العميقة وفلول النظام السابق الذي ضيق على الشعب ومصالحه فنجدهم قد تحكموا له في معيشته في الخبز والغاز والكهرياء والماء و... مما ساعدهم على استقطاب جزء من الشعب المسكين والفقير وتأليبه على النظام الجديد وتجيشه ضده بل والتغرير به مما قد لا يصل إلى أغلبية ,فنظم أذناب "اللا مبارك" وفلوله وكل المناوئين, وصبغوه بصبغة الشباب "تمرد" والشعب وطالبوا بإسقاط النظام الذي مر على انتخابه ديموقراطيا سنة واحدة فقط ربما قد لا تكفيه حتى لمعرفة مسالك ودوالب الدولة والدولة العميقة, وقد لا تكفيه حتى في التأقلم مع هذه المتغيرات والمستجدات وفي تتبيث أقدامه في هذه الدولة الكبيرة الذي كانت في قبضة نظام فاسد مفسد بشهادة كل المنصفين استمر في قمعه ثلاثين سنة والجيش والقضاء والإعلام كلها تصفق له وتبارك خطواته الخبيثة والنتنة.ولما انقلبوا عليه عسكريا وفروا الغاز والكهرباء و... للشعب المغلوب على أمره وليفهم حتى الذي لا يريد أن يفهم...؟وأغلقوا القنوات غير المرغوب فيها عندهم بتهمة التحريض على العنف أَبَعْدَ الانقلاب على الشرعية عنف؟ والحقيقة أنها اللقنوات التي لا تخضع لتعليماتهم وإملاءاتهم,وهي القنوات التي ساهمت وتساهم في الصحوة الإسلامية التي ناصبوها العداء لأنها أصحبت منافستهم الأولى في الدولة؟ كما ضيقوا على كل إعلام آخر يمكنه كشف عوراتهم وفضحهم في مخططاتهم المقززة و الدنيئة... الأَولى بالانقلاب عليه حقا أيها الشعب المصري وذلك سلميا لو كان هناك علم وإنصاف إذا تدبرنا هي الدولة العميقة التي تقف في وجه كل إصلاح في مصر وفي كل الدول العربية تقريبا, الأولى بالانقلاب عليه الإعلام الفاسد العاهر المناوئ الذي تموله الشعوب المستضعفة ويستغله المستبد الظالم ضدها بل ويسخره ليحكم قبضته عليها ويخنق ويقيد حريتها, الأولى بالانقلاب عليه القضاء الذي صفق ويصفق للفساد أكثر من ثلاثين سنة ويدعي النزاهة والشفافية وخدمة الشعب, الأولى بالانقلاب عليه كل مغرض فاجر متربص,هزمته صنادق الاقتراع ولم يحض بثقة الشعب, لا ينتعش إلا في الفوضى وبين الفتن,و لا ينتعش إلا في الظلام كالخفافيش التي لا تحب الضوء أبدا وتعشق ظلام الليل وفيه تنشط,وهذا الصنف للآسف الشديد موجود بين ساساتنا العربية ويخدم فقط مصالحه الضيقة ولو على حساب أي شيء الوطن والدين والقيم بل وربما خدم أجندات خارجية..؟ إن المتتبع للشأن العربي يرى أن بدعة الانقلاب على الديمقراطية ليس خاصة بمصر فقط حقيقة, لكن ربما المنقلبون فيها أكثر خبثا ودهاء من جيرانها في هذه الفترة الحالية ففي تونس منقلبون وفي المغرب وغيرها أما في الجارة الجزائر فخارج هذا السياق لأن المنقلبون لم يقتلعوا بعد قبل أن ينقلبوا على الديموقراطية سنة 1991,وربما أنهم من علم انقلابيو اليوم وجعلهم أكثر جرأة, ولا زال الانقلابيون بها يسومون الشعب سوء العذاب بل ويغذون الفرقة والانقسام العربي للآسف الشديد.أما دول الخليج فآخر من يحق له الكلام عن الديمقراطية والحرية هي أنظمتها المتغولة المستبدة البائدة الفاسدة التي تعيش زمنا غير زمننا هذا, والتي كانت المصفقة الأولى للانقلاب ويدعمونه بأموال هذه الأمة المسكينة,فمتى يستيقظون من سباتهم العميق, ومتى يبدأون في نقد الذات لأنه أول خطوات التغيير للأحسن والأفضل,لكن الذي يبدو أنهم لايريدون تغيير ولا تطوير ولا تحرير للأسف, بل يجب أن يرغموا عليه بإرادة الشعوب فيها التي لازالت تصفق وتحملق في العالم حولها... بلى إن من يستفيد من التاريخ ويستقرئه يدرك أن ضريبة الانقلاب العسكري أكثر تكلفة وأشد مضاضة على الشعب من وقع ضريبة سوء التدبير حتى في ظل الديمقراطية والحرية, فالانقلاب لا يعير أي اهتمام للشعب واختياراته بل يعتبر الشعب في يد الظلمة المنقلبون دمية أو"كركوزة" يحركها كيف يشاء,كما يفعل المهرج ليضحك جمهور المتفرجين وينتزع تصفيقاتهم ..؟ أجل إن أهم ما حققته ثورة 25 يناير بمصر أثناء الربيع الشعبي الحقيقي ألغاه الانقلاب العسكري الآثم لمن يريد أن يفهم وداسه بأقدامه الوسخة ,هذا الانقلاب الذي يحاولون أن يضفوا عليه نوع من الشرعية ويحاولون من خلاله تزييف الحقائق والضحك على أصدقاء الديموقراطية والحرية..؟,وعاد بالشعب إلى حكم العسكر والاستعباد والاستدلال وهذا واضح لكل منصف محايد بغض النظر عمن يحكم في ظل الديمقراطية سواء كانوا الإخوان أو العلمان أوالشبان ...أو غيرهم. لأن المتضح أن هذا الانقلاب بيَّن بالواضح الملموس أعداء الإخوان ولو على حساب الديمقراطية والحرية..؟ بل عرى كذلك أدعياء الديمقراطية وفضحهم في كل بقاع العالم ,أمريكا وأوروبا والعرب ... ومما لاشك فيه أن هناك دروس وعبر من انقلاب العسكر هذا على الديمقراطية بمصر من بينها: · ما أكثر أدعياء الديمقراطية في العالم عامة والعالم العربي خاصة والديمقراطية منهم براء. · ثلة كبيرة من أفراد شعوبنا تابعة هم كالقشة مع الرياح تميل هنا وهنا وذلك لقلة الوعي وانتشارر الجهل والأمية. · ما أكثر الحاقدين على التجربة الإسلامية الفتية في مهدها قبل أن تنجح أو تفشل... · الدولة العميقة والفلول المستبدة الفاسدة ممكن أن تفعل أي شيء من أجل مصالحها الخاصة الضيقة ولو كانت التصفية بالقتل وسفك الدماء. · إذا كان العدو هو الإسلام والتجربة الإسلامية فممكن أن تتحد كل الأطراف المتناقضة ضده, فشملهم مشتت إلا على الإسلام وحكم الإسلاميين. · الإصلاح صعب جدا غير أنه ليس مستحيل,و في هذه الظروف بالذات حيث فلول الفساد والاستبداد والتحكم في المؤسسات و... · لابد من المرونة وبعد النظر والتدرج والحوار المستمر في التعاطي مع الإصلاح الحقيقي والبعيد المدى إن أريد له الاستمرار و الفعالية ولو تطلب ذلك وقتا. · الإصلاح له ضريبة كذلك متمثلة في التنازل و التحالف مع الخصوم حتى وغيرهما. · الإصلاح في ظل الاستقرار أفضل وأحسن حقنا للدماء رغم بطئه وتطلبه نفسا أطول. · لازالت ديمقراطياتنا في العالم الإسلامي والعربي فتية تحتاج من يحميها ويحرسها ويكافح من أجلها وهذه مهمة الشعوب الأولى. هذا الاختبار الصعب الذي تمر به الديمقراطية والحرية في مصر يجب أن يستفيد منه كل شرفاء العالم وقد آن الأوان إلى تكتلهم ليشكلوا جبهة إصلاح قوية لمواجهة أعداء تقدم وتنمية هذه الأمة التي مدحها ربها بالخيرية,آن الأوان لنقول للظلم لا وللفقر لا وللاستعباد لا وللتزوير لا وللتبعية لا وللعنف لا وللانقلابات لا وللجهل لا وللتهميش لا وللتفسيق لا وللخونة لا ,ومليون لا لا ...
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يحقن دماء إخواننا المصريين ويصلح ذات بينهم وكل المسلمين وأن يبصرنا بأقوم طريق وأحسنه وأن يوفق الخيرين والمصلحين في أمتنا وفي كل الشعوب لنر غدا أفضل ونحقق السعادة والأمن والرفاهية لبلداننا أو قل لبلدنا الكبير أمتنا.