قال حسن أوريد، إن خطاب 9 مارس شكل محطة تاريخية، تعكس التفاعل مع الحراك السياسي والتحولات الجارية. واعتبر أوريد الذي حل ضيفا على صحافيي "مجموعة إيكوميديا"، أن الخطاب الملكي أحدث عودة إلى السياسة بعد أن اعتقد الجميع بنهايتها، بما يلغي المشهد السياسي، مشيرا إلى أن ما يجري من نقاشات داخل الساحة المغربية، يعكس حالة من العودة إلى الوضع الطبيعي. وشدد أوريد، المؤرخ السابق للمملكة، على أهمية لحظة التحولات الجارية، مشيرا إلى أن المغرب في حاجة إلى كل أبنائه، من فاعلين سياسيين ومفكرين وتقنوقراط وغيرهم، مشيرا إلى أن البلاد في حاجة إلى كل هؤلاء كل من موقعه. وتميز اللقاء مع الكاتب حسن أوريد بمناقشات عميقة شملت مضامين الكتاب وأفكار أوريد بخصوص التحولات الجارية في الوطن العربي ، وضمنها الحراك السياسي في المغرب، وشارك في مناقشة الكاتب، إضافة إلى صحافيي مجموعة إيكوميديا، الناقد والجامعي سعيد يقطين، والمؤرخ مصطفى بوعزيز.
بين "مرآة الغرب المنكسرة" للكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد، الصادر السنة الماضية، وترجمته إلى اللغة الفرنسية في يناير الماضي تحت عنوان"الغرب..أهو الغسق؟"، مرت مياه كثيرة من تحت الجسور العربية، ونبت الكثير من الأزهار والورود في جنان الربيع المغربي الذي أزهر حركات المطالبة بالتغيير والإصلاح وخطاب 9 مارس وما تلاه من مبادرات ترسم ملامح مغرب ما بعد 20 فبراير. لذلك لم يتردد أوريد في التعبير عن خلاصة أساسية "لو كتب لهذا المنجز أن يكون ما بعد الربيع العربي، لكان مجرد تحصيل حاصل"، بالتالي، يحافظ الكتاب على كثير من مساهماته الفكرية الجيدة التي نعرض بعضها في ما يلي بتعسف كبير. من الوهلة الأولى يمكن إدراج "مرآة الغرب المنكسرة"، أو "الغرب..أهو الغسق؟" ضمن الكتابات الموسومة بتأملات فكرية وفلسفية في النظام العالمي الجديد، وقراءة من زوايا مختلفة لهذه الليبرالية المالية المصنوعة من وهم، حسب الكاتب نفسه، وفقاعات سرعان ما تعرضت للتلف عند هبوب أولى نسمات الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم قبل سنتين. فبشكل مخالف لنَفَسه الشعري والروائي وحتى كتاباته الصحافية، يرمي أوريد بقرائه، دون سابق إنذار، في لجج لغة تقريرية صارمة عن الاقتصاد والسوق والأزمة والنظام المالي والغرب والإسلام والصورة وشبيه الصورة وتكنولوجيا الاتصال والعولمة والليبرالية وما تبقى من إيديولوجيا شيوعية هوت مدوية تحت جدار برلين، ونبتت مكانها "إيديولوجيا خفية ومتغطرسة لم تفصح قط عن بناء جديد، إذ تمسكت في دعواها بأسس النظام الليبرالي، وعمدت في الوقت نفسه إلى نشر منظومتها في العالم باعتبارها الحل السحري للقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما عمدت إلى أساليب الإغراء وبريق الصورة وفتاوى المؤسسات المالية والبنكية بمسميات عدة". زخم مكثف في الأفكار وترتيبها والتعبير عنها، وجرأة على النقد والنقد الذاتي وقوة هائلة في الاستشهاد بمرجعيات مختلفة وبلغات وأصوات متعددة، يمنح أوريد لذة قراءة مغايرة للأزمة العالمية الحالية وتجلياتها وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم وفي الدول النامية، بخلفية فكرية وفلسفية، وأدبية في بعض الأحيان، تروم البحث في عمق المأزق العالمي، بعيدا عن ردود الفعل المتهافتة والمتشنجة تجاه الغرب. هل انهار عالم المنظومة الشيوعية لأنه اختزل الإنسان في بعد ميكانيكي؟ يوطئ أوريد، في كتابيه، قبل أن يستدرك، لكن ألا يقوم نظام السوق بالشيء نفسه وبطريقة أقل فظاظة مما كانت تفعله الأنظمة الشمولية؟ أليس الاختلاف في الدرجة لا في النوع؟ ألا يرهن هذا النظام مستقبل الأجيال المقبلة في سعيه المحموم إلى الاستهلاك؟ ألم تقم الرأسمالية على علاقة ثنائية بين منتج ومستهلك صوريين يلتقيان من خلال السوق، ولا عزاء لقيم التضامن وللطبيعة التي تستنزف إلى آخر قطرة؟ يشتغل أوريد، في التفرج على شظايا مرآة الغرب المنكسرة، على المتن الفكري للسياسي والاقتصادي الأمريكي المعروف، "جوزيف ستيكليتز"، الأكاديمي المفوه الحائز على جائزة نوبل والرئيس السابق للمجلس القومي الاقتصادي الأمريكي على عهد بيل كلينتون والخبير لدى صندوق النقد الدولي، وذلك عملا بالآية الكريمة في سورة يوسف "وشهد شاهد من أهلها". ستيكليتز له كتابان تأسيسيان في غاية الأهمية، ضمنهما رؤيته ومواقفه من تحولات النظام العالمي بعد سقوط جدار برلين قبل حوالي 21 سنة، الأول تحت عنوان "الوهم الكبير"، الصادر سنة 2002، والثاني بعنوان "حين تفقد الرأسمالية رشدها"، صدر له سنة بعد ذلك، جمع فيه خلاصات تحليله وتفكيكه للنظام المالي والاقتصادي الجديد، إذ أضحت الليبرالية إنجيل الدبلوماسية الأمريكية وصندوق النقد الدولي على حد سواء، كما أضحت نوعا من المهدوية (نسبة إلى المهدي المنتظر)، ينشرها الحواريون في الآفاق، وتقوم هذه العقيدة الليبرالية على ثلاثة مبادئ/وصفات، هي التقشف في النفقات العمومية وخوصصة القطاع العام وتحرير المبادلات التجارية. لكن تطبيق هذه الوصفات، حسب "ستيكليتز"، كان له أثره المدمر على دول العالم، يقول "لقد تصرفنا، كما أننا وضعنا اليد على الوصفة الوحيدة والمضمونة من أجل بلوغ الرخاء، تصرفنا بعنجهية مع الدول..لقد تحول العم السام إلى الدكتور سام الذي يوزع الوصفات على الدول: خفضوا هذه الميزانية، قلصوا الرسوم الجمركية، خصصوا تلك الوحدة الكهربائية، وعلى غرار بعض الأطباء المنهمكين والواثقين من أنفسهم، لم نكن لنأخذ الوقت الكافي لنسمع شكاوى المرضى، ولا كنا قادرين على القيام بتشخيص كل حالة على حدة بدراسات الأوضاع الاجتماعية الخاصة بها..لقد تصرفنا مع خبراء واقتصاديي العام الثالث، وجلهم لامعون وذوو تكوين نظري متين، مثل أطفال". وقد تطلب الوصول إلى هذه الخلاصة المأساوية، من "ستيكليتز" ساعات طويلة من الجهد الفكري وتقليب عدد من النظريات ووضع ممارسات وسلوكات بعينها تحت المجهر واختبار المدى التدميري للوصفات الثلاث على الشعوب والأمم، إذ حققت نظرية الانسياب (تشبيه هذا النوع من الاقتصاد بجدول يستسقى منه كل من يوجد على ضفافه ويصيب برذاذه كل طبقات المجتمع) فشلا ذريعا، قبل أن يعمد خبراء صندوق النقد الدولي إلى تصحيحها ب"التركيز على النمو أساسا، ومزاوجته لسياسة اجتماعية لما يسمى التنمية البشرية ظلت محدودة في كثير من البلدان التي طبقت فيها". يفكر أوريد بصوت عال في نقده للبنية الفكرية ومرجعيات وغايات نظام دولي تؤطره فكرتان غير دقيقتين، حسب رأيه، هما الرأسمالية هي الحل، والدين سراب، منتهيا، في تحليله، إلى "الرأسمالية ليست هي الحل المطلق، والشعور الديني لا يزال قائما وله مستقبل واعد". يقول: "نحن ندرك هذه الحقائق لا من باب الشطحات الذهنية أو المضاربات الفكرية، بل بقوة الواقع. فالأزمة المالية العالمية وما يصاحبها من أزمة اقتصادية، فضلا عما تحمله من مشاكل خفية، تبين محدودية النظام الرأسمالي، إن سقوط حائط برلين لم يُعف على الشعور الديني وإن نعى نظاما كان يتوخى تحرير الإنسان من خرافة الدين وما يرتبط بالإيمان من غيبيات". هذا الدين الجديد له نخبه وسدنته ومريدوه وشيوخه الذين يحفظونه عن ظهر قلب ويطبقون تعاليمه "السامية" التي تشربوها في المدارس والمعاهد ومؤسسات البحوث والجامعات التي تدين بولائها للعقد الليبرالي المبجل الذي لا يأتيه الباطل من أمامه، أو خلفه. من هنا مبرر الجزء السابع من الكتاب التي يفكك فيه حسن أوريد بنية العقل التقنوقراطي سواء في الدول الغربية نفسها، أو دول العالم الثالث، أو السائرة في طريق النمو مثل المغرب. ولم يتورع الرجل في توجيه سهام النقد إلى هذه البنية، واصفا "تقنوقراطي اليوم بمثابة مرتزق حكام إمارات إيطاليا إبان عصر النهضة، مستعد أن يخدم أيا كان. ليس للتقنوقراطي ولاء ثابت لذلك فلا يجد غضاضة أن يتحول حيث تكون مصلحته".