تكشف الوثائق التي سربها سنودن ان المقر العام للاتصالات الحكومية في بريطانيا ووكالة الأمن القومي في الولاياتالمتحدة يراقبان كل شيء يفعله المواطن العادي على الانترنت. وُصف برنامج التجسس البريطانيء الأميركي "تمبورا" طيمپورا بأنه نقطة انعطاف في تعامل الحكومات الغربية مع قضية الخصوصية. فان أجهزتها التجسسية تراقب اتصالات المواطنين، وما يتابعونه على الانترنت دون علمهم. وتعمدت هذه الحكومات أن تخفي عن المواطنين سعة هذه المراقبة. وكان مصطلح "طريق المعلومات السريع" قاصرًا على الدوام في الإحاطة بما تعنيه الانترنت. فالشبكة في الواقع فضاء اتصالات عالمي مفتوح يحوي معلومات خاصة عن قطاع واسع من سكان كل بلد من البلدان المتطورة. ولو تسنى لأحد أن يمتلك عينًا ترى كل شيء في الانترنت لكانت إمكانية الابتزاز التي تتاح له إمكانية بلا حدود تقريبًا. وهذه العين التي ترى كل شيء على وجه التحديد هي التي امتلكها المقر العام للاتصالات الحكومية في بريطانيا ووكالة الأمن القومي في الولاياتالمتحدة باسم "تمبورا. ولعل الاستعارة الأنسب لهذا البرنامج التجسسي العملاق هي دس كاميرات وسماعات في كل غرفة من كل بيت وشقة وفتح كل رسالة وتصوير نسخة منها والتنصت على كل هاتف، وتسجيل كل ما يحدث وحفظه للاستعمال عند الحاجة. أسطورة الأخ الأكبر قد يبدو هذا مخيفًا يعيد إلى الأذهان سطوة "الأخ الأكبر" الذي يعرف كل شيء عنك في رواية جورج اورويل الشهيرة "1984". ولكن هذه الاستعارة قريبة إلى حد مخيف من الواقع الذي كشفت عنه صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرا. وتبين الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة من مسربها محلل المعلومات ادوارد سنودن أن المقر العام للاتصالات الحكومية ووكالة الأمن القومي تراقبان فيما بينهما حركة الانترنت باعتراض سيل المعلومات التي تتدفق عبر الألياف الضوئية. ويستطيع الجهازان نسخ هذه المعلومات وحفظها لتحليلها لاحقا عند الحاجة. في خدمة الحرب على الإرهاب وتلاحظ مجلة شبيغل اونلاين "أن الذين يقفون وراء هذا البرنامج المخزي لم يكلفوا أنفسهم حتى نفي ما يفعلونه" مشيرة إلى أن جهاز التجسس البريطاني امتنع عن التعليق على ما كشفه سنودن، لكنه قال إن كل ما يفعله إنما يفعله في خدمة الحرب ضد الإرهاب ويخضع لضوابط قانونية صارمة. وتتذرع وكالة الأمن القومي بالحجة نفسها منذ الكشف عن برنامجها التجسسي الذي أُطلق عليه اسم "الموشور" Pريسم في وقت سابق من حزيران/يونيو. ويقول الجهازان التجسسيان أن ما يفعلانه يخدم قضية نبيلة ويخضع لضوابط وهو لا يتعدى "سوى الاطلاع على معلومات وجمعها" إذا ارتأى الجهازان ضرورة ذلك. ولكن هناك من يرون أن هذا كل محض ادعاء، ويسألون هل سيوافق المواطن على مراقبة فضاء معشيته الخاص وتسجيله بالفيديو لأن ذلك قد يساعد في ملاحقة إرهابيين؟ وهل يرضى المواطن بحقيقة انه لن يُراقب إلا إذا رأى محلل استخباراتي مجهول الهوية أن مراقبته ضرورية؟ كلا بالطبع. والحكومة التي تقترح برنامجا كهذا يجب أن تُسقط، وعن استحقاق، بحسب مجلة شبيغل اونلاين معربة عن استغرابها من ردود الأفعال التي جاءت ضعيفة، مائعة في بريطانياوالولاياتالمتحدة. وفي حين أن صحيفة الغارديان البريطانية وصحيفة واشنطن بوست الأميركية نشرتا تقارير مستفيضة عن برامج حكومتيهما التجسسية الواسعة فان بعض السياسيين الألمان فقط أعربوا عن غضبهم في المجال السياسي، ولسبب وجيه. الدولة تعرف كل شيء وحقيقة إن المسؤولين الأميركيين والبريطانيين منحوا أنفسهم هذه السلطة الهائلة دون اطلاع مواطنيهم فضيحة ذات أبعاد تاريخية مجلجلة، على حد وصف مجلة شبيغل اونلاين. وللمتابع فان كل النقاشات العامة في الآونة الأخيرة عن حفظ المعلومات وخصوصية الانترنت وما يجري على فايسبوك وغوغل هي لا شك نقاشات مسلية. ولكن اتضح أن الدولة حقا تعرف كل شيء عن المواطن من البداية. وكان هذا على وجه التحديد الهدف من العملية، بحسب رئيس وكالة الأمن القومي الجنرال كيث الكسندر. وتساءل الجنرال الكسندر في وثيقة حصلت عليها صحيفة الغارديان "لماذا لا نستطيع أن نجمع كل الإشارات كل الوقت؟" وتبين أقوال أخرى مقتبسة أن المسؤولين الاستخباراتيين كذبوا على الرأي العام بعد الكشف عن الوثائق الأولى التي أكدت وجود البرنامج التجسسي. وقالت مفوضة العدل في الاتحاد الأوروبي فيفيان ريدنغ أنها خلال اجتماعاتها مع المسؤولين الأميركيين تلقت ضمانات بأن المعلومات عن الأوروبيين لم تُجمع "بكميات كبيرة". وأكدوا لها أن مراقبة الأوروبيين كانت موجهة نحو أفراد مستهدفين ولم تُمارس إلا في حالات استثنائية. واتضح الآن أن هذا ليس صحيحا وكل ما في الأمر أن جمع المعلومات بالجملة في أوروبا هو مهمة المقر العام للاتصالات الحكومية البريطاني وليس وكالة الأمن القومي الأميركية. ومن هنا فان الكشف عن هذه الأنشطة في صحيفة الغارديان بفضل المخاطرة التي أقدم عليها المسرب سنودن الذي كان متعهدا يعمل مع وكالة الأمن القومي، يعتبر نقطة انعطاف. وستبين الأسابيع والأشهر المقبلة ما إذا كانت المجتمعات الديمقراطية في العالم قوية بما فيه الكفاية لاتخاذ موقف ضد مخططات أجهزة التجسس الغربية التي لا تعرف الحدود. ويبدو أن حكومات الدول ذات العلاقة لا تتحلى بالشجاعة المطلوبة لاتخاذ مثل هذا الموقف. فهي كانت تعرف أن المراقبة التي تمارسها أجهزتها لا تتمتع بأي شرعية قانونية، ولكنها واصلت البرنامج رغم ذلك، من وراء ظهور ناخبيها. ويقع الآن على عاتق الناخبين أنفسهم أن يحموا أنفسهم. فان معلوماتهم الشخصية هي التي وقعت في شباك البرنامج التجسسي وعليهم الآن أن يدفعوا ممثليهم إلى الدفاع عن حرياتهم.