بعد أن عادت المياه إلى مجاريها في حياة السيدة فاطمة و عاد الدفء لأسرتها ، قررت أن تعمل على مساعدة من لهم مشاكل أسرية ضمن الجمعية الاجتماعية التي كانت سببا في حل مشاكلها مع زوجها ، و اختارت لنفسها عملا - البحث عن من هم في أشد الحاجة للمساعدة -، و أول امرأة جلبتها للجمعية كانت جارتها سعاد التي تعاني مع زوجها مشاكل شتى ، أدخلت السيدة فاطمة جارتها سعاد إلى الجمعية ، وعرفتها على الوسيطين ثم جلست بين نساء أخريات ، شرعت كل واحدة من هنّ تدلو بدلوها ومشكلاتها ، حتى وصل دور سعاد ، فكان البكاء أولا من السيدة سعاد ، وفاطمة تطالبها بالصبر و تعاهدها بحل كل مشكلاتها بإذن الله ، وتشجعها على التكلم ، شرعت السيدة سعاد بالكلام عن محنتها بعد الزواج مباشرة قائلة : "بعد الزواج مباشرة أراد زوجي أن يوقفني عن العمل الذي أزواله في إحدى الشركات كمساعدة في مكتبها الإداري بعد أن كان موافقا على مزاولة عملي قبل الزواج وأيام الخطوبة ، حاولت إقناعه بأننا في أمس الحاجة إلى راتبي حيث أن راتبه لم يكن يكفينا لسد كل حاجياتنا ، كان مترددا دائما ، يقبل ثم يعود ويطالبني بالخروج من عملي ، لا أدري هل هي الغيرة أم الخوف أم الإحساس بالنقص ؟ مرت سنتين ونحن بين المد والجزر في هذا الشأن ، اقتنع أخيرا أننا نحتاج إلى أجرتي كي نواكب مجريات الحياة والتي أصبحت عسيرة على كثير من الناس ، خاصة بعد ما رزقنا الله ولدا ، بعد الولادة بدأ ينام في غرفة أخرى بحجة أن الطفل يزعجه عن نومه ببكائه ليلا ، و بعد انتهاء فترة عطلة الولادة ضل ينام بعيدا عني رغم أنني عدت للعمل ، اعتدت أن آخذ ابني إلى حضانة الأطفال الرضع ، وعند عودتي إلى بيتي آخذ ابني و أحاول أن ألبي رغباته ورغبات أبيه ،ثم أرتب البيت وأنظفه ، زوجي لا يبالي فهو بعد خروجه من العمل يذهب ليلتقي بأصدقائه في إحدى مقاهي الحي ويضل هناك حتى ساعة متأخرة من الليل ، وعند عودته لا يسأل سوى على طعام العشاء و يريده بسرعة كي يدخن سيجارته ثم ينام و يستريح من تعب يومه ليستيقظ باكرا للذهاب إلى عمله ، ناسيا أو متناسيا أنني أعمل طيلة النهار و أعمل على التوفيق بين عملي خارج المنزل وداخله كما أتحمل كل مستلزمات طفلنا .و حين أحاول أن أفاتحه في هذا الموضوع كي نجد حلا متوافقا ينصفني به ، تجده يتهرب من كل المسؤوليات بحجج واهية ، مرت الأيام و لاحظت بعض التصرفات منه جعلتني أشك في وفائه لي ، فحين يرن هاتفه وأنا بجانبه يخرج إلى باب المنزل ليتحدث بعيدا عنّي ،كما زاد تأخره عن المنزل ليلا ، حتى وتيرة الرحلات مع أصدقائه زادت ،لا... لا أستطيع ترقبه حتى لا أُفاجأ بشيء يقلقني و يزيد في تعكير حياتي، و اليوم أشعر بأن حياتي الأسرية تتذمر و لا أستطيع إنقاذها . طلب الوسيط من سعاد أن تعطيه رقم هاتف زوجها كي يتصل به ، لكنها أبت حتى لا يغضب منها ، لكن السيدة فاطمة اقترحت فكرة للوصول إلى زوج جارتها ، قالت : سأقوم بتهيئي حفلة شاي مصغرة و سأسميها بمناسبة ما ، وسأستدعي جارتي وزوجها كي يحضرا مع بعض أصدقائي ، أنتم المتواجدون بالقاعة مع الوسيطين طبعا ، و سأحكي عن قصة طلاقي كما عن الدور الذي قامت به الجمعية و الوسيطان لعودتي لزوجي وكيف نحيا الآن بتفاهم ودون مشاكل كبرى إلاّ بعض الّلمم التي لا تدعو للقلق . وزادت في كلامها سائلة ...ما رأيكم ؟ أجاب الوسيط : نعم... فكرة هائلة ، ونحن سنعمل على إقناع زوج سعاد للحضور للجمعية حتى نتمكن من إيجاد أسباب الخلاف بينهما وإصلاحها . تمت حفلة الشاي كما خُطط لها و اقتنع زوج سعاد بعد تردد كبير لزيارة الجمعية ، و عند الموعد الذي اتفق عليه دخل كريم زوج سعاد مع زوجته قاعة في الجمعية ووجد فيها الوسيطين ورجلين جاءا لنفس الغرض والسيدة فاطمة ، فأخذ أحد الرجال يحكي قصة كريم وكأنه هو المعني ، وكريم ينصت و بدون أدنى شك يقول في نفسه إن قصة هذا الرجل تشبه قصتي بشكل كبير و هو لا يعلم أن القصة قصته وأن الوسيطين سيطلبان منه أن يحكم على تصرفات الرجل. وحين وصل دوره ليتكلم امتنع عن الكلام قبل خروج الرجلان الموجودان فطالبا منهما الوسيطان فعل ذلك فخرجا ، قال كريم : إنني لا أجد مشكلة مع زوجتي و لا أظنها تجد مشكلة معي ، لكن حينما استدعيتموني للحضور والتكلم عن حياتي الزوجية للاستفادة منها في حفلة السيدة فاطمة جئت ولا أدري ما أقول ! . طلب منه الوسيط أن يعلق على ما حكاه الرجل الذي تكلم قبله أولا ثم يحكي قصته ، قال كريم : أرى أن الرجل تملص من واجبه بعض الشيء في حق زوجته ، فلا يمكنها أن تعمل في البيت وخارجه دون أن يساعدها في بعض شؤون البيت والبنت لهما معا وليس للمرأة فقط فعليه أن يساعدها على الأقل في بعض الأحيان خاصة و أنها تعمل خارج المنزل ، إنما الرجل رجل , يدخل البيت متى شاء ويخرج متى شاء أما المرأة فلها حرمتها تخرج للحاجة وتعود للبيت في وقت مبكر. تدخلت الوسيطة سائلة كريم : وكيف سيعينها في شؤون المنزل إذا ما دخل الزوج البيت متأخرا ؟ تمتم الرجل وقال لا أدري قالت الوسيطة ، هو الفهم الخاطئ للأشياء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخيط ثوبه و يكنس بيته ويعين أهله أليس هو من قال (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم )) أجاب كريم : نعم ولكن الوقت تغير و زيادة على ذلك هو الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات, أما نحن فبشر و موصفون بالنقص ، قالت الوسيطة : أليس هو قدوتنا ؟ قال :نعم . قالت : هذه حجة عليك . فتدخل الوسيط بسرعة حتى لا يفهم أنه كان المعني و تنجح الخطة ، قال : الآن احكي لنا قصة حياتك الزوجية لنستفد منها إن شاء الله ...سكت مليا كريم و هو في تفكير عميق ثم قال : لا أدري هل خططتم لي هذا أم ماذا؟ فقصة الرجل تشابه قصتي بشكل كبير ، فأنا لا أساعد زوجتي على أعمال البيت أو على التكفل ببعض حاجيات ابني العزيز ، أما التكلم في الهاتف بعيدا عن زوجتي لم يكن كما وصفه الرجل فأنا ليست لي أية علاقة خارج إطار الزوجية ، هذا راجع لكوني لا أريد إزعاج ابني وهو نائم في حضنها كما أغتنم الفرصة لتدخين سيجارة بعيدا عنه حتى لا أؤذيه ، قاطعته السيد فاطمة سائلة : ولما تؤذي نفسك إذن؟ أجاب : اليوم أصبح التدخين حراما بإجماع الفقهاء نظرا للضرر الناتج عنه ، لذا أنا سأقلع عنه بإذن الله سيدتي ، و تأخري ليلا سببه بعض أصحابي ، و كيف ما كانت الواقعة ، أهي حقا أردتم الاستفادة من حياتي أم خططتم لتنبيهي بما يجري في حياتي الزوجية فأنا راض على ما قدمتموه لي من مساعدة حتى أُراجع نفسي فيما كنت أجهله أو أتجاهله . و أعد زوجتي في حضوركم أنني سأغير من سلوكي شيئا فشيئا و أطلب منها أن تساعدني على ذلك كما أن تسامحني على ما فرطت في جنبها من قبل . السيدة فاطمة : وأنا بدوري سأطلب منك المسامحة ، فبعد ما كان تدخل الجمعية سببا في الإصلاح بيني و زوجي ، أردت أن لا أفوت الفرصة للإصلاح بينك وبين زوجتك جارتي العزيزة و هي حقا خطة وأنا منتجتها ، لكنني أقول لجارتي وعزيزتي ، لا تفرطين في هذا الرجل الذكي الفطن الذي شعر بخطتنا من أول وهلة ، إنه حقا رجل من الطينة الطيبة ، وكم من رجل أو امرأة من الطيبين ولكن عزة أنفسهم لا تترك لهم الفرصة للبحث عن الإيجابيات التي توجد بداخلهم أو بنصفهم الثاني كما ينقصهم الموجه و المرشد الذي ينير لهم الطريق .و شكرا لمن قال " بالحوار وليس إلاّ بالحوار يتفاهم الأحرار "