خبران عن فوز اليسار في انتخابات جزئية محلية، أحدهما في فجيج أقصى الشرق، والآخر في أسرير نواحي كلميم في الجنوب. كلتا النتيجتين جاءت ربما لمقاعد فردية، أي في مناطق قروية أو شبه قروية. فما دلالة هذا الفوز الصغير لحزب من المعارضة اليسارية؟ فقد أشارت استطلاعات سابقة إلى إمكانية تقدمه وإحرازه مكاسب كبيرة في الانتخابات السابقة، باعتباره وجهًا جديدًا بعد أن جرّب الناخبون باقي الأحزاب الكبيرة والصغيرة. غير أنه، ولأسباب وظروف معينة، لم يحالفه الحظ، وظل اليسار، ممثلًا في حزب "الشمعة" في المغرب، قوة صوتية بعيدة عن تأسيس فريق برلماني حتى الآن. هل يعكس هذا الفوز غضبًا جماهيريًا من الأحزاب التي تدبّر الشأن المحلي؟ تشير الصحافة إلى علاقة فوز الحزب بالمقاعد في فجيج بالحركة الاحتجاجية التي يعرفها الإقليم ضد خوصصة شبكة المياه وتأثيرها على الساكنة، خاصة في ظل ظروف الجفاف... ما يوحي بأن الغضب الشعبي مكّن الحزب من كسب جميع النقاط. فهل هناك من يتّعظ؟
في انتخابات أخرى، شهدت الساحة مفاجأة غير متوقعة، وهي عودة الإخوان - الجناح الأردني - عبر الانتخابات لمجلس النواب الأردني، حيث فازت جبهة العمل الإسلامي بالمرتبة الأولى، حاصدة تقريبًا ربع مقاعد البرلمان.
فهل هذا فصل جديد في عودة الإسلاميين والإخوان إلى المشهد السياسي العربي، بعد موجة الثورات المضادة التي أثبتت أنه لا سياسة بدون الحركات الإسلامية في بلداننا العربية، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة؟ فلا بديل مقنع لهم.
رغم الجهود الكبيرة والاستثمارات الضخمة التي بذلتها دول وأنظمة معينة لمحو تبعات نجاح الأحزاب المحسوبة على التيار الإخواني في بلدان عدة بعد أحداث 2011، إلا أن ما حدث في السابع من أكتوبر، واليوم في الأردن، يجعل من المستحيل اقتلاع هذه الجماعات من المشهد السياسي العربي، الذي يعاني من موت الأيديولوجيا السياسية وافتقاره لأحزاب مؤسساتية قائمة على عقيدة وبرامج. فغالبية ما أنتجته الانتخابات بعد الثورة المضادة هو برلمانات أعيان وتجار ورجال أعمال، أو سياسيون يدينون بالولاء التام للسلطة، وبعضهم يُسقِطُهم اليوم ملفات فساد ويلاحقهم القضاء.
في ظل غياب الرأي الآخر وتغييب الصوت المعارض، ومع توالي الأزمات الاقتصادية وانسداد الأفق في دول عدة، قد يرى الأردن، وهو في خضم هذه الأزمات الداخلية والخارجية، أن صمام الأمان لتمرير المرحلة والحفاظ على استقرار البلاد دون الوقوع في لحظة الانفجار الكبير، هو السماح للإخوان بالعودة إلى المشهد، لتمارس جبهة العمل دورها المعارض مؤسساتيًا أو تشارك في التدبير الحكومي.
لا بديل عن الأحزاب السياسية المؤسساتية التي تؤطرها أفكار وبرامج، سواء كانت ليبرالية أو يسارية أو إسلامية، ما دامت ستحفظ للسياسة هيبتها وتلعب دورها المحوري في تدبير الشأن العام وتأطير المجتمع والشارع.