لا أذكر أنني شاهدت فريقا وطنيا على الأقل في العقدين الأخيرين بمثل هذه الصورة الجالبة للعار التي كان عليها الفريق الوطني أمس الأحد أمام منتخب تانزانيا، فريق بلا هوية، فريق من دون عمق وفريق في أقصى حالات العجز لتحمل الأمانة ولأداء الرسالة ولصنع التغيير الذي بشر به الناخب الوطني رشيد الطوسي بمباركة من الجامعة. إن كنا نحن قد أصبنا مجددا بالصدمة، ولا أظن هذا الفريق يفلح في شيء غير إنتاج الصدمات، فإن المتابعين لكرة القدم الإفريقية ستصيبهم خسارة الفريق الوطني هناك بتانزانيا بثلاثية بالحيرة، والمؤكد أن منهم من سيطلب التحقق من الأمر قبل أن يقف على الحقيقة الصادمة والتي تقول بأن التشكيلة التي أنابها رشيد الطوسي لتمثل الكرة المغربية وتكون حاملة للأمل في المستقبل سقطت بدار السلام بأبشع صورة ورمت كل المغاربة في مستنقع النثانة والقذارة. بصرف النظر عن أن الهزيمة الثقيلة، وقد مر على الفريق الوطني زمن طويل لم يتجرع مثلها، تجهز بنسبة كبيرة جدا على حظوظ الفريق الوطني في مطاردة بطاقة الترشح لكأس العالم 2014، وقد إبتعد عنا الفيلة الإيفواريون بخمس نقاط وهرب عنا التانزانيون بأربع نقاط، بقطع النظر عن أن الفريق الوطني جنى على نفسه بطريقة بشعة فإن ما يشعل النار في البيت هو أن الفريق الوطني الذاهب إلى تانزانيا والذي قال الطوسي على مسمع من الكل أنه النواة الصلبة للمرحلة الجديدة تهاوى في أول إختبار، فضح هشاشة البناء وقصور الرؤية ولربما حكم علينا من الآن أن نطوي صفحة هذا العبث الذي سمي حينا جرأة وسمي حينا آخر مجازفة بات يفرضها الزمن الرديء الذي دخله الفريق الوطني منذ خمس أو ست سنوات ولم يخرج منه. صدقت كغيري ما إنتهى إليه رشيد الطوسي مع نهاية الكان بجنوب إفريقيا من خلاصات في شكل دروس عندما وقف على ضرورة أن الفريق الوطني بحاجة لأن يبني ذاته ويصمم هويته الفنية ويستعيد الشخصية المفقودة، وعلى ثقتي مثل الكثيرين بأن الطوسي ربما إستوعب جيدا الدروس وتوصل إلى موجبات التنافس في مقاسات دولية متقدمة وهو يضع للفريق الوطني الهيئة الفنية التي تتطابق مع قدراته ومع خصوصيات المرحلة، إلا أنني لم أكن أتوقع أن يذهب به إقتناعه بضرورة بناء قاعدة جديدة ضمانا للإستقرار والإستمرارية إلى هذا الإنقلاب الفجائي الذي ضحى بكثير من الثوابت ووضع مقابل ذلك لاعبين مجردين من أية خبرة دولية في المحك وكأنه يرمي بهم إلى المحرقة. وقد نبهت بعد الذي إستمعت إليه من رشيد الطوسي في أعقاب المباراة التجريبية التي خاضها المنتخب المحلي أمام مالي من أن النواة الصلبة للفريق الوطني الذي سينازل تانزانيا بدار السلام ستتشكل من هذا الفريق الذي أبرز القليل القليل من القناعات في مباراة ودية فوق العادة، نبهت إلى أن يجازف الطوسي ويحدث بداخل الفريق الوطني ثورة غير مسبوقة تضحي بالثوابت وبالتوازنات وأيضا بمعيار الجاهزية النفسية والتكتيكية، حذرت من أن ينزع في ذلك إلى الإنتصار لفكره أكثر من الإنتصار لمنطق الإشتغال وتكون النتيجة هذه الفضيحة التي تزيد من غلغلة سكين الخيبة في نفوس المغاربة وتعظم من المصيبة. إن رشيد الطوسي الذي قال أكثر من مرة أنه يعتمد معايير للإختيار لا يتزعزع عنها قدم أمام تانزانيا أمس الأحد بدار السلام فريقا وطنيا مغربيا لا يستجيب لأي معيار من المعايير التي تحدث عنها، بدليل أن الفريق بكامل تركيبته كان متباعد الخطوط متنافر المسالك لا يقوم على وحدة تكتيكية ولا يبرز في أدائه الجماعي ما يؤكد أنه فريق مؤسس على التكاملية، بعبارة واحدة هو فريق خارج النص ليس له هوية وليست له شخصية وليس له في دكة البدلاء قائد يوجهه ويجد له الحلول عندما يضل الطريق. وإذا ما كنا قد تركنا السيد رشيد الطوسي يؤسس هذا الفريق الوطني على مقاسه ومن منطلق قناعاته بمباركة خفية من الجامعة لا أحد يعرف درجة المكر فيها، لتكون النتيجة هي هذه الهزيمة / العار، فإن الشجاعة تقتضي أن يسقيل كل من إتصل بهذه المهزلة من قريب أو بعيد، من إختار رشيد الطوسي للمهمة يقينا منه أنه رجل المرحلة وضدا عن إرادة الجماهير التي كانت تنادي بالعودة إلى الزاكي بادو، ومن كان سببا في هذه المصائب والكوارث التي لاحقت الفريق الوطني منذ أن رحل عن إدارته التقنية المدرب الزاكي. لا أظن مع ما أبداه رشيد الطوسي من محدودية كبيرة في تقمص دور الناخب الوطني في مرحلة مفصلية وحساسة، وما إرتكبه من أخطاء في بناء الرؤية، أنه بالإمكان أن يظل هو الربان وهو القائد، فالفريق الوطني إبتعد كثيرا عن كأس العالم إن لم يكن عبروه إلى الدور الأخير من التصفيات أصبح من سابع المستحيلات، ومشروع تأهيل اللاعب المحلي إحترافيا ضرب في الصميم، والحاجة لأن نستغل ما بات يفصلنا من وقت عن نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2015 تفرض أن يكون هناك توجه آخر وفكر آخر وتدبير آخر، فكر وتوجه وتدبير لا يتلاءم مع طبيعة وفكر الطوسي ولا مع الجامعة الحالية التي سقطت في أكثر من إختبار لإعطاء الفريق الوطني الربان التقني الذي يستحقه. بدر الدين الإدريسي - رئيس تحرير جريدة المنتخب