رب ضارة نافعة عندما كان الإنفصال عن غيرتس لإنهاء زمن الوجع ووقف نزيف حاد أضاع على الفريق سنتين كاملتين وزاد من شحوب الوجه وكآبة المنظر، وجرى التفكير في البديل وقد إهتدينا إلا أنه لا يمكن إلا أن يكون مغربيا، ومن دون العودة إلى ما أحاط بعميلة الإنتقاء لتحديد من يكون رجل المرحلة من فلكورية في العرض والإختيار، ركزت وأظنكم تذكرون على شيء غاية في الأهمية له إرتباط وثيق بالمدى المتوسط، هو رؤية 2015، بالطبع كان على رشيد الطوسي الذي تحقق معه ومن حوله نوع من الإجماع أن يباشر عمله بالوصول إلى هدف قريب المدى وتمثل في تأهيل الفريق الوطني إلى نهائيات الكان بجنوب إفريقيا بعبور حاجز الموزمبيق، وهو ما كان بعد الفوز برباعية المصالحة، إلا أن ما كان يستحوذ على الأفق القريب هو كأس إفريقيا للأمم 2015 والتي سيستضيفها المغرب برهان المنافسة على اللقب القاري، ومن يخطط لحدث ينظم خلال سنتين بالمغرب عليه أن يجيب ضمنيا على أسئلة دقيقة هي من صميم الإنتظارات ورهانات المرحلة. كان لا بد أن نجيب على سؤال البنية البشرية للفريق الوطني ومن خلاله نجيب عن سؤال النواة الصلبة ومن خلال الإثنين معا نجيب عن سؤال أهلية كل الثوابث البشرية التي تركها إريك غيرتس لركوب التحديات المستقبلية. وكل من يريد أن يقرأ بعمق وبموضوعية وبحياد كامل لائحة 24 لاعبا التي جهزها رشيد الطوسي لتكون حاضرة بكأس إفريقيا للأمم التي تستضيف نهائياتها جنوب إفريقيا بعد أيام، لا بد وأن يستحضر معايير ثم الإرتكاز عليها غير معايير الجاهزية والتنافسية والتطابق مع روح الرهانات الرياضية.. تقضي الحكمة أن يكون أول المعايير هو معيار التشوف الإستباقي والذي يضع في زاوية النظرة البعيدة كأس إفريقيا للأمم 2015، مع ما يفرضه ذلك من إعادة صياغة النواة الصلبة للفريق الوطني وهو ما أشعرنا به بعد إشهار اللائحة رشيد الطوسي عندما أحدث إنقلابا نوعيا فأخرج من العرين أسودا لا تتطابق مع المرحلة أو لا تقدر على تحقيق الإنتظارات أو لا يتحقق لها الحد الأدنى من المؤهلات الفنية والتكتيكية لتستجيب لمتطلبات أسلوب اللعب.. وقضت ضرورات التحضير الآني للقادم من المراحل أن يفعل رشيد الطوسي ما هو متوفر لدى الجامعة من تقارير سرية تحكي عن تجاوزات أخلاقية وعن مسلكيات غير إحترافية وعن وجود تكتلات تحمي بأساليب ملتوية مصالحها فتضرب في العمق مصلحة أكبر وأقوى وأغلى هي مصلحة الفريق الوطني، ولكي ينظف رشيد الطوسي العرين بتوصية عاجلة من الجامعة التي لم تظهر صرامتها عندما لم تعاقب كل شطط وكل خروج عن نص الإنضباط وكل إضرار بمصالح الفريق الوطني، فقد لجأ إلى إسقاط أسماء كانت تمثل جوهر النواة الصلبة، وغطى على ذلك بمبررات مختلفة، فمن قال عنه أنه أدار ظهره للفريق الوطني ومن قال عنه أنه مفتقد للجاهزية ومن قال عنه أنه أسقط لاختيارات تقنية.. ورشيد الطوسي عندما يقبل بهذه المجازفة لطالما أنه اليوم متحمل لكامل المسؤولية في اختياراته، فإن يسدي للجامعة خدمة أبدا لم يكن بالإمكان أن يقدمها لها إطار تقني آخر غير مغربي، يسدي لها خدمة بأن يتولى هو وليس أحد غيره تنظيف عرين أزكمت الأنوف فضائحه التي كانت الجامعة أول العالمين بها وبمن نسج خيوطها ويسدي لها خدمة بأن يؤسس لهدف بعيد لا أحد غير الله يعلم ما إذا كان هو من سيصل إليه أو غيره.. ولكن هل بتحريض من الحاجة الماسة إلى تنظيف العرين ومن التخطيط الإستباقي لكأس إفريقيا للأمم 2015 ومن الثورة النمطية التي لم يكن من بد لها، سنقبل التضحية بكأس إفريقيا للأمم 2013 التي سيكون الفريق الوطني أحد فرسانها الستة عشر؟ أبدا.. لا الجامعة ولا رشيد الطوسي ولا نحن، لا أحد يقبل أن يوقع الفريق الوطني كما كان الحال منذ دورة 2006 على شهادة الحضور في الكان ليودعه من دوره الأول خائبا، صاغرا، ومكسور الوجدان، وإلا فكيف نسمح لأنفسنا من أن نمر من النقيض إلى النقيض، من القول مع غيرتس أن الفريق الوطني كان سنة 2012 ذاهبا إلى الغابون للمنافسة على اللقب القاري واليوم هو ذاهب إلى جنوب إفريقيا متحررا من كل ضغط ومن كل حلم لأن الهدف هو الإعداد لكأس إفريقيا 2015 بالمغرب. يذكرني ما يقع بالفريق الوطني اليوم، بما كان قبل نحو 32 سنة، تحديدا سنة 1980، فقد قدرت الهزيمة الصاعقة والثقيلة أمام منتخب الجزائر هنا بالدار البيضاء في دجنبر الأسود من سنة 1979 عن تصفيات الألعاب الأولمبية أن يهدم بيت الفريق الوطني بالكامل، إذ تم التعاقد وقتها مع الفرنسي جوست فونطين الذي كان عليه في أقل من ثلاثة أشهر أن يبني الفريق الوطني على أساسات بشرية جديدة طبعا بعد سقوط أحد فروع الجيل الذهبي الذي توج المغرب بلقبه الإفريقي الوحيد سنة 1976 بأثيوبيا. طبعا جيء بلاعبين صغار السن أمثال الزاكي، التيمومي وبودربالة ليشكلوا نواته الصلبة إلى جانب لاعبين مخضرمين وتوجه الفريق الوطني بعد أربعة أشهر لا غير من مباراة الجزائر الكارثية للمشاركة في كأس إفريقيا للأمم 1980 بنيجيريا ولا أحد يراهن عليه بدرهم واحد. وكان رائعا جدًا أن هذا الفريق تمكن بنواة صلبة جديدة من إحداث مفاجأة قوية بتخطيه للدور الأول برغم أنه وقع في مجموعة نارية إلى جانب منتخبات غانا، الجزائر وغينيا، وبإنهائه للبطولة في المركز الثالث بعد فوز على فراعنة النيل في لقاء الترتيب بهدفي خالد الأبيض. هذا الجيل، وبعد أن ضاع عليه التأهل لمونديال 1982 بإسبانيا بعد السقوط أمام كامرون طوكوطو وروجي ميلا، نجح في الفوز بذهبية ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983 بالدارالبيضاء ونجح في التأهل إلى أولمبياد لوس أنجليس سنة 1984، وأكثر من هذا وذاك أبدع في صنع حدث غير مسبوق ليس بتأهله إلى نهائيات كأس العالم 1986 بالمكسيك لأن جيل علال، حمان، باموس وغاندي سبقه لذلك سنة 1970، ولكن بتخطيه كأول منتخب عربي وإفريقي للدور الأول متفوقا وبصورة رائعة على قوى كروية وازنة وقتذاك وهي بولونيا، أنجلترا والبرتغال. نؤمن أن للثورات ضحايا ولكن نؤمن أن هذه الثورات لو تأسست على نوايا صادقة لأذاقتنا عسلا بعد أن تجرعنا زمنا طويلا العلقم، فرب ضارة نافعة..